رحلاتي في العالم

نوال السعداوي d. 1442 AH
164

رحلاتي في العالم

رحلاتي في العالم

اصناف

وإلا أكلوا منه وعشقوه مثلنا.

الفصل التاسع

الإمبراطور هيلاسلاسي والثورة

منذ أن حكم السادات وأنا أشعر بالغربة في وطني، أحد عشر عاما كالسحابة السوداء، من 1970 حتى 1981 حجبت الشمس والضوء ونسمة الهواء، ولم يبق أمامنا إلا وجهه، ويطل علينا كل يوم فوق الشاشات، وعلى صفحات تدفعها اليد الخفية من تحت عقب الباب، وصوته كالرعد في مكبرات الصوت يدوي في الشوارع وكل الإذاعات.

أحملق في الصورة العالقة في الجو وفوق الجدران، ملامح الوجه فيها حركة غير مباشرة، لا تسير في خط مستقيم، وفي الصوت الممطوط ما يشبه الفهم البطيء أو الشرود والسرحان، وألصق باسمه كلمة المؤمن ليستمد من الله السلطان كما فعل الإمبراطور هيلاسلاسي، وكل أسبوع يصلي في جامع مثلما فعل شاه إيران، وسموه أيضا «أبو العائلة المصرية» على غرار أبو العائلة الإيرانية.

وكلما أراه أو أسمعه أشعر بالغربة، والاغتراب يصاحبه إحساس آخر يشبه الانحدار أو السقوط في بئر مظلم تضيع فيه حقوق الإنسان.

وانتقلت الأشياء في حياتنا، فأصبح الخطر هو الأمن، والحرية هي الدكتاتورية، وتحولت الأحكام العرفية إلى الديمقراطية بفضل العلم والإيمان. أما الغلاء الفاحش والديون والتضخم فقد أصبح لها اسم جديد هو الرخاء، والقواعد العسكرية وقوات الانتشار السريع أصبحت حمائم السلام، والغيرة على الإسلام في أفغانستان لا يوازيها إلا الغيرة على مصالح فرنسا في تشاد، والنضال الطويل ضد الاستعمار والصهيونية انقلب إلى صداقة ومحبة وتعاون.

وبدأنا نرى البيرة والبيض الإسرائيلي في الدكاكين المصرية، وانهمر سيل من الإعلانات الأمريكية عن سجائر «كنت» وسفن أب وشويبس ورموش صناعية للنساء.

واختفت من الأسواق البضائع الوطنية، حتى المكرونة المصرية والأرز والخبز أصابها الاختفاء، وارتفعت نسبة البطالة بين الشباب، والأصوات ارتفعت تنادي بعودة المرأة إلى البيت وارتداء الحجاب.

وأصبح كل شيء أجنبي أعلى قيمة من أي شيء مصري حتى الإنسان، أصبح الأجانب يحظون أكثر من المصريين بالاحترام والاهتمام من جانب جميع المسئولين في الحكومة ابتداء من حرس الأبواب حتى أكبر المديرين والوزراء ورئيس الدولة، ويحصل الأجانب وخاصة الأمريكيون منهم على امتيازات وتسهيلات لإنشاء شركات الاستثمار، أو لإجراء بحوث والحصول على بيانات ومعلومات لا يحصل عليها المصريون.

نامعلوم صفحہ