رحلاتي في العالم

نوال السعداوي d. 1442 AH
146

رحلاتي في العالم

رحلاتي في العالم

اصناف

وثار ضمير العالم البشري : ما ذنب النساء؟ ما ذنب الجنين البريء؟

وتحركت ضمائر الكهنة في المعابد ورجال الأديان في بقاع العالم، ثم تذكروا فجأة أن هناك شيئا اسمه «المغفرة»، والآلهة يغفرون الإثم أحيانا لمن يشاءون. وهز أحدهم لحيته الطويلة البيضاء وقال: نعم، أحيانا، فلماذا لا تكون هذه المرة من تلك الأحيان؟ فالأجنة بريئة لا شك ولا يجوز قتلها، والنساء أيضا قد يكون فيهن البريئة التي قاومت الاغتصاب حتى الموت، وبذلك أنقذها الموت من الحمل سفاحا بواسطة العدو، وعلينا أن نطلب المغفرة لهؤلاء البريئات اللائي متن دفاعا عن شرفهن. أما هؤلاء اللائي يقفن أمامنا الآن ببطونهن المنتفخة بالإثم فلا مغفرة ولا رحمة بهن، ولا بد من تنفيذ قرار الإعدام عليهن فورا!

وصاح رجل آخر: ولكنك قلت سيادتك: إن الأجنة بريئة ولا يجوز قتلها، وإذا أعدمت الأمهات فسوف تقتل الأجنة في بطونهن أيضا، وهذا ظلم للأرواح البريئة!

وهرش الرجل شعر لحيته الطويلة وطرقع أصابعه وتمطى ثم قال: نعم نعم، لك حق فيما تقول ويمكن تأجيل قرار الإعدام حتى بعد الولادة.

وزمجر رجل من الجالسين فوق المنصة: لا، وهذا أيضا أمر غير مقبول، بل خطير، سيصبح في بلادنا مائة ألف طفل غير شرعي، ويا ليتهم غير شرعيين فحسب، ولكنهم جميعا جاءوا من صلب رجال من الأعداء، وسوف يبحثون إن عاجلا أو آجلا عن آبائهم ويصبحون بالطبيعة مثل آبائهم أعداء لنا!

ودب الصمت في قاعة المحكمة، ثم نهض القضاة وساروا يتعثرون في أذيال جلاليبهم ولحاهم الطويلة تهتز فوق صدورهم، اختفوا واجمين في غرفة المداولة، ثم عادوا مستبشرين وقد عثروا على الحل، وصاح كبيرهم وهو يخبط بالمطرقة الحديدية: تؤجل الجلسة إلى الأسبوع القادم للدراسة واستشارة الخبير الأمريكي.

حملق الرجال الهنود في ذهول: ما دخل الخبير الأمريكي في أمورنا الخاصة شديدة الخصوصية مثل هذا الأمر المتعلق بشرف مائة ألف امرأة من نسائنا؟

إلا أن الصحف بدأت ترد على تساؤلات الرجال، ونشرت مقالات عن الخبرة الأمريكية في عمليات الإجهاض الحديثة، وأن الإجهاض وإن كان محرما في جميع الأديان إلا أنه جائز في بعض الأحيان.

وصدر القرار الاستثنائي بإجراء عمليات إجهاض جماعية لقتل مائة ألف جنين، وتساءل أحد الرجال من ذوي الضمير الحي: ولماذا نقتل الأجنة البريئة؟! لكن أحدا لم يرد عليه. وتم تنفيذ القرار في جنح الليل.

إحدى الأمهات رفضت أن تقتل جنينها، حكموا عليها بالإعدام الأخلاقي، وقالوا في أسباب الحكم: لأنها عصت الآلهة وأحبت طفلها الآثم ابن العدو، ولا يمكن للأم أن تحب طفلها وتكره أباه.

نامعلوم صفحہ