إن القوافل التي تقصد البصرة سالكة هذا الطريق ، لا تتحرك حتى موسم هطول الأمطار ، لئلا يعوزها الماء وهي في قفر البادية. ويندر أن يمسك المطر حتى كانون الأول من كل سنة. إن القافلة التي رافقتها ، تحركت في يوم عيد الميلاد ، وكانت تتألف من أربعمائة رجل بين سادة وخدم ، ونحو ستمائة بعير. وكان الكروان باشي (1) وحده ممتطيا صهوة فرسه ، متقدما القافلة لارتياد أماكن المياه واختيار الأماكن الصالحة للمبيت.
أما أنا فأعترف بأنني أرحت نفسي بركوب حصاني الذي احتفظت به طوال إقامتي في حلب. ولا يخفى أن حرية الاحتفاظ بالخيل لا يسمح بها للافرنج إلا في القسطنطينية وإزمير وحلب. أما في دمشق وصيدا والقاهرة ، فلا يجيزون ذلك لغير القناصل. ولسائر الناس امتلاك أو استكراء الحمير دون غيرها. وهي تتيسر في الدروب العامة دائما.
وفي اليوم الثاني ، رحلنا فجرا ، وعند الظهر بلغنا مكانا فيه خمس آبار ، بين البئر والأخرى خمسمائة خطوة ، وماؤها عذب جدا ، فملأنا قربنا منها ، وفي نحو الساعة الرابعة من بعد الظهر نزلنا في بقعة لا ماء فيها.
وفي اليوم الذي يليه ، صادفنا قبيل الظهر بئرين كان ماؤهما مجا لم يشربه غير الجمال. وعندهما بتنا ليلتنا أيضا.
لقد مر على سفرنا الآن يومان في البادية ، التي سأصفها وصفا موجزا : إنك بعد أن تبتعد فرسخين (2) أو ثلاثة فراسخ من حلب تدخل البادية فلا يقع نظرك على غير الخيم المنصوبة بدلا من المساكن المشيدة. وتمتد هذه البادية
صفحہ 15