إنّ علمَ الحساب علمٌ جزيلٌ ... ومُعينٌ إذ تشتري وتبيعُ
لم يضع قط درهم بحسابٍ ... وألوفٌ بلا حسابٍ تضيعُ
وعلى ذكر الحساب فما أوقع ما قال:
لقد قعد الزمان بكل حرٍّ ... وأهدى فضله لذوي اليسارِ
كآحاد الحساب على يمينٍ ... وآلاف الحساب على اليسارِ
وهذا مبني على القلم الهندي، وخرج عن ذلك حساب أبي جاد، فإن الآحاد على اليسار والألوف على اليمين، وعليه قول الفاضل عبد المعين، حيث كتب إلى بعض أصحابه يذكره بوعد وعَدَهُ به ومَطَلَه، وذلك في قوله:
يا سيدًا بالوعد أتحف عبده ... فضلًا، ولكن وعده مثل السحابِ
قد كنت أحسب صدقه فإذا به ... وعدٌ به انخرمتْ قوانينُ الحسابِ
يريد أن لفظة وعد بطريق حساب أهل الفلك عود، لأن العين بسبعين والواو بستة، والأكثر يقدّم على الأقل كما علمت، وانظر إلى المواطن وأحكامها فإنك لا تجد غير مقتضاها، ذكرت بالمطل والشيء بالشيء يذكر بالاستطراد وبالمناسبة قول الأمير أبي فراس:
يا ابن الكرامِ أعد في الدهر ذكرَ فتىً ... له بشطريه تحويلٌ وتقليبُ
لا تعتبنَّ على عرقوب واحدة ... فكل من فوقها بالوعد عرقوبُ
ونعود إلى ما كنا بصدده، ولما كان السحر حمل الركب ليقطع العقبة مبكرًا، وهي عقبة أيْلَة، بفتح الهمزة وسكون المثناة من تحت وفتح اللام بعدها.
قال في الخريدة: وهي قرية صغيرة على جبل عالٍ صعب المرتقى يكون ارتفاعه والانحدار منه في يوم كامل، ولا يسلك طريقها إلا الواحد بعد الواحد، وعلى جانبيها أودية بعيدة المهوى انتهى. وهي مدن التيه، وهو أرض واسعة ليس بها تل ولا قلعة ولا وهدة ولا رابية، وسعتها خمسة أيام في مثلها، وحكى العبدري أنّ مسافة العقبة خمسة أميال، ولا زالت الملوك قديمًا وحديثًا، يمهدونها وتوعرها السيول، ويسهلها التسخير الإلهي. فلم نزل نسير في رمال وأحجار إلى أن أشرق النهار، ثم ارتقينا صراطًا كأنّا نطلب
1 / 21