العلّة الضرورية والمحرّك الداخلي لأيّة حضارة في لحظات ازدهارها. وتعبّر خير تعبير عن هذا الانفتاح مردات المطبخ العباسيّ التي قلما نلتقي فيها بطبيخ محليّ تام الأصالة. لقد اختلطت مفردات المطبخ الهنديّة بالفارسيّة بالعربيّة أشدّ الاختلاط.
الكل يأكل على مائدة الكلّ في المأدبة نفسها وإن بصعوبات حقيقية في بعض الحالات بالطبع. يتخذ البعض من هذه الصعوبات الطبيعيّة قاعدة لتفسير العلاقة بين الأنا والآخر بكثير من العسّف.
سوئ أن جماعات العالم القديم وثقافاته، الأكثر والأقل تطوّرا، كانت تعاني من انكماشات على الذات لأسباب منها ضيّق فسحة الاتصال وصعوبة المواصلات. لم تكن مشكلة الهويّة بمعناها الراهن مطروحة (فكرة الهويّة بمعناها هذا هي اختراع ثقافيّ معاصر)، وربّما كان شيء يشابهها يحضر لأسباب تتعلق بنظام القرابة ومواريث الأرض والنظام الاقتصادي لجماعة من الجماعات الساعية لتحقيق اكتفاء ذاتيّ.
الآخر بعيد في الجغرافيا، لذا فهو غامض ومجهول وسحريّ وموطن للخرافات. هذا النوع من إعلان (الغرابة) عن الآخر هو الذي كان مهيمنا، وليس تلك التساؤلات ذات الطبيعة الفكرية المعقّدة عن علاقة الآنا بالآخر. كلما ضرب الآخر في الأقاصي والمجاهيل كلما تصاعدت وتيرة الحكايات غير الدقيقة عنه. هذا السبب البديهيّ لا صلة رحم له، بالضرورة، بمشكلات الإيديولوجيا: (دار الكفر) و(دار الاسلام) .
إن انفتاحا مذهلا، يصل إلى درجة الاحترام للآخرين المختلفين كان يحكم علاقة دار الاسلام بالحضارات الوثنية العريقة، الهندية والصينية خاصة (وهو ما يشرحه د.
عزيز العظمة في أحد كتبه «العرب والبرابرة») . الأنا في الحقيقة متعدّدة والآخر مندمج بها، وهو ما تبرهنه طبيعة الوفد المرافق لابن فضلان.
شاكر لعيبي
أبو ظبي ١٢ أيلول ٢٠٠٢
1 / 34