حر الشمس ، ومن قصرت حاله عنها في هذه الأسفار ، فقد حصل على نصب السفر ، الذي هو قطعة من العذاب الخ ا ه.
أقول : وكم رأت طريق البيت الحرام من هذه المحارات وهذه الشقادف ، وكم رأت من راكب وفارس ، وحاف وناعل ، وكم تطهرت نفوس ، وتهذبت أرواح ، وصفت قلوب ، وزكت أعمال ، وخزيت شياطين ، وحقنت دماء ، وكفكفت دموع ، وصينت أموال ، كل ذلك بسبب هذه الآية الكريمة ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) [آل عمران : 97] وكم عاشت بهذه الآية مخلوقات ، ودخلت على الحجاز أموال ، اللهم إن كل ذلك لمما هو فوق تصور العالمين.
أما النعمة والرفاهية اللتان أشار إليهما ابن جبير من حال حجاج العراق وفارس وخراسان في ذلك الوقت ، فلم يبق منها شيء تقريبا إلى الأعصر الأخيرة ، لأن تلك الحال تحولت بسبب الحروب المتواصلة ، ولا سيما غارة المغول التي أتت على الحرث والنسل ، ونسفت عمران المشرق نسفا ، فأقفرت البلاد ، وتقلصت الزراعة ، وتشتت العباد ، ونضبت مواد التجارة ، وجاء فتح ترعة السويس في الزمن الخير ، فتحولت به تجارة الهند والصين عن فارس والعراق والشام ، واستأثر بها الأوربيون رأسا (1)، مع أن ثروة بغداد والبصرة وشيراز وإصفهان وسيراف الخ كانت أيام العباسيين مما تعجز عن وصفه الأقلام ، وتتقاصر الأرقام ، وتلك الأيام نداولها بين الناس.
صفحہ 89