رحلة في زمان النوبة
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
اصناف
هم مجموعة عربية تداخلت في وسط النوبة من عمدية المضيق إلى عمدية كورسكو مسافة تبلغ نحو 45 كيلومترا.
النوبيون:
ويطلق عليه أحيانا اسم الفديجة، وأوطانهم من كورسكو حتى الحدود المصرية السودانية مسافة تبلغ نحو 110 كيلومترات، ولهم لغة خاصة شبيهة بمجموعة لغات المحس في شمال السودان.
والنوبيون هم أكثر سكان النوبة المصرية عددا؛ ربما لغنى بلادهم زراعيا، بينما بلاد الكنوز والعليقات أفقر لضيق السهل الفيضي وتداخل الحافات الصخرية مع الأراضي الزراعية، ولمزيد من التفصيل حول هذا الموضوع نحيل القراء إلى القسم الثاني من هذا الكتاب.
صحونا من نوم مريح حوالي السابعة وتمشينا قليلا إلى الحافة التي تطل على النهر، وتتذكر د. كوثر المنظر الأخاذ فتقول: نجع البوستة يعتبر غاية في الجمال فهو يرتفع عاليا فوق الصخور في تدرج جذاب، كما لو أن فنانا قد وضع كل مكونات صورة رائعة في مكانها؛ فأسفل الصخور ذات الألوان المتعددة يمتد مرج أخضر عريض، تنتشر فوقه بحيرات تعكس كالمرايا أضواء شمس اليوم الجديد والحشائش والنباتات كالموج الهادئ حين تهب النسمات وراء بعضها، وقد رصعت الحيوانات بألوانها السوداء والداكنة هذا المرج ، ترعى في هدوء وترعاها أعين النساء والأطفال منتشرين فوق البساط الأخضر في سكينة وسلام، والنيل يمتد كشريط جبار رمادي اللون تشوبه أشرطة بيض، يفصل قرشة عن جرف حسين التي تمتد في الأفق تنعكس أشعة الشمس على بيوتها القليلة البيضاء، وبالنجع بئر مياه نقية باردة محببة للشرب.
دخلنا عدة منازل تتشابه في التصميم وإن اختلفت في الأحجام: فهناك الحوش السماوي وعلى جوانبه غرفة النوم - أو غرفتين - والمطبخ والسبيل الذي هو استراحة النساء المظللة، وإلى جوارها المزيرة. السقوف كلها قبابية مبنية من الطوب اللبن، والبيوت كلها مطلية بالجير الأبيض ناصع البياض، وكذا أرضيات بعض الغرف عليها طلاء من الجير. سقف المطبخ مستو وليس قبابيا ومصنوع من فلق النخيل والكثير من الجريد، وبه فتحة صغيرة في منتصف السقف. تجهيزات المطابخ متشابهة: فرن مبني من الطوب اللبن وكانون وموقد كيروسين في أحيان، ومواعين فخارية وزير لمياه المطبخ وأطباق من الخوص. غرف النوم بسيطة وأبرز ما فيها العنجريب وطرابيزة صغيرة وصندوق حفظ الملابس، وفي أحيان دولاب، وحبل لتعليق الملابس، وفي أحد أركان الحوش تحويطة للماشية والأغنام، وتحويطة أصغر للدواجن، وفي بعض البيوت سلم يقود إلى السطح حيث يخزن الحطب، وأخيرا هناك غرفة مخزن بها أزيرة فخارية وأوعية كثيرة من السلال والخوص لحفظ الغلة وما شابه من أطعمة جافة، وفي أحد أركان المخزن يوجد حمام الاغتسال، وبعض حوائط المخزن بها طاقات مغلقة تستخدم لوضع الأشياء كاستخدام الرفوف.
الحياة في نجع العلياب
وبعد الإفطار تحركنا إلى نجع العلياب، حيث يوجد أهل معارفنا بالقاهرة، وصلنا حوالي الثانية عشرة ظهرا بعد أن مررنا على عدة نجوع وأخوار، أهمها خور الشديناب الذي تتغلغل مياهه في مسيل حالم بين كتل وجلاميد صخرية، متوغلا إلى الداخل مزهوا بخضرة يانعة يداعبها النسيم بين الصخر الأشم، الطريق وعر صاعد هابط لمدة نحو ساعتين، استرحنا قرب أحد البيوت فخرج إلينا صاحب البيت ورش علينا بعض ماء الكولونيا تحية لنا، وفي الطريق لاحظنا حفرا كثيرة يؤخذ منها الجير الحي المستخدم بكثرة في تبييض البيوت، وربما كان كثرة مصادر الجير سببا في أن غالبية البيوت في قرشة مطلية بهذا البياض الناصع الذي لا شك في أنه يعكس الإشعاع الشمسي ويقلل الحرارة داخل الغرف، كذلك لاحظنا حفرا أخرى في مناطق بقايا البيوت القديمة التي هجرها السكان عند تعلية خزان أسوان، وهذه تشكل سمادا كفريا يستخدم في تخصيب الزراعة الشتوية في الحدائق الصغيرة.
وفي نجع العلياب ذهبنا إلى مضيفة عثمان سليمان والد خضري الذي يعمل بمعهد الدراسات الأفريقية، والمضيفة هناك تسمى السبيل الذي يتكون من حجرة كبيرة مستطيلة سقفها قبابي، وأمامها مكان ممهد فسيح مسور بسور منخفض لجلسات ليالي الصيف أو نهار الشتاء المشمس، بينما تستخدم الغرفة في ليالي الشتاء أو قيظ الصيف، ولما كنا في جو قائظ فقد كان استقبالنا داخل السبيل، حيث توجد مجموعة من العنجريبات والطرابيزات، قدموا لنا غداء شهيا من الشوربة واللحم والأرز، ولا بد أنهم ذبحوا ذبيحة تكريما لنا، وكان بين الحاضرين شخص هوايته صيد الغزلان التي تتواجد عند خور ماريا أمام معبد دندور، ولهذا فهو دائم الارتحال، كذلك يصطاد أنواعا من الطيور المهاجرة في مواسمها، وكان الموسم الراهن هو موسم طائر يسمونه أبو العنز - هل كانت هذه الطيور والغزلان تدخل قائمة الطعام للصياد، أم يبيع منها؟ وأين؟
جلسنا نتحدث مع الشاي، أنواع المزروعات هي الذرة «العويجة» ونبات يسمى في النوبة الكشرنجيج، وهو ذو نمو خضري كبير وسريع ويحش مرتين، وأوراقه وحبوبه جيدة كعلف حيواني، ولو أن بعضها يسلق ويدخل طعام الإنسان، ونبات آخر هو المسيق أشبه كثيرا باللوبيا الصغيرة، ثم نبات اللوبيا، وتزرع في مساحات صغيرة أنواع من الخضروات كالخيار والبصل، كما يزرع قليل من البطيخ والشمام، وكلها محاصيل ثانوية بعد الذرة والكشرنجيج واللوبيا، وهم يطحنون دقيقهم في مطاحن في عمدية الدكة على بعد نحو 15 كيلومترا - يذهبون إليها بالمراكب - أو يشترون دقيقا جاهزا من الدكاكين، وعند الحاجة الملحة يجرشون ما عندهم من غلة في الرحاية ثم المهراكة للتنعيم.
نامعلوم صفحہ