رحلة في زمان النوبة
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
اصناف
ثانيا:
كان القرار السياسي حاسما في اتخاذ مكان مشروع التخزين «القرني»، حيث هو الآن داخل الحدود المصرية. وقد سارع بظهور أهمية العامل السياسي في الموضوع اختلاف النظم السياسية بين مصر والسودان ابتداء من أواسط الخمسينيات؛ ليس بسبب استقلال السودان، ولكن لاختلاف التوجهات في البنية الاقتصادية السياسية في كل من الدولتين، وتأثير الكتل السياسية العالمية على بلاد الشرق الأوسط بصفة عامة. لهذا كانت الذبذبة في شكل العلاقات السياسية بين مصر والسودان، هي واحدة من أهم أسباب تفضيل أن يكون مشروع التخزين ضمن نطاق السيادة المصرية، ومما شجع على ذلك أن المشروع أضيف إليه مشروع آخر لتوليد طاقة هائلة - بمفهوم الوقت - من أجل كهربة مصر، فأصبح المشروع رمزا للفكر الناصري التنموي متعدد الاتجاهات؛ ليس فقط ضبط مياه النيل لتعويض السنوات العجاف، بل زاد على ذلك إمكانية التوسع الزراعي أفقيا ورأسيا، وتوليد الكهرباء من أجل التنمية الصناعية. من أجل هذا كان على السياسة أن تتدخل في تحديد مكان ووظائف المشروع، وبذلك انتقلنا من مدرسة الري التقليدية إلى مدرسة متعددة الاتجاهات الاقتصادية من بينها الري.
4 (2-2) الموارد البشرية
لا تنحصر الموارد البشرية في مجرد أعداد الناس وقوة العمل فقط، بل يجب إضافة حسابات أخرى؛ مثل نوعية الناس، وحالتهم الصحية والتعليمية، وتدريبهم المهني، وقدراتهم الادخارية، وتوظيف المال في أنشطة غير تقليدية ... إلخ، وبرغم ذلك تظل للقوة العددية أهميتها؛ حيث إنها الإطار الذي تنضوي تحته مجموعة المقومات والصفات السكانية الأخرى.
لقد كان يسكن النوبة القديمة قبل التهجير أربع مجموعات من السكان هم:
سكان النوبة الأصليين - كنوز وعليقات ونوبيون - وهم الأغلبية الساحقة، وينقسمون إلى مقيمين ومهاجرين بعض الوقت، أو مهاجرين بصفة دائمة، ويضاف إليهم بعض العبابدة المستقرين بصفة دائمة في نجوع عدد من عمديات الكنوز والعليقات، وهؤلاء صاروا من السكان الدائمين في النوبة.
أبناء الصعيد وخاصة من محافظة قنا، وهؤلاء يترددون على النوبة لفترات عمل محددة، خاصة وقت امتلاء حياض قنا بالمياه أثناء الفيضان - وذلك قبل أن تتحول إلى ري دائم بعد السد العالي - والقليل منهم كان يقيم بصفة دائمة أو شبه دائمة في النوبة، وخاصة في أراضي مشروعات الري النيلي والدائم بالطلمبات.
العبابدة والبشارية من سكان البادية الشرقية، وهؤلاء كانوا يقيمون في بعض مناطق النوبة؛ لرعي الإبل خلال الصيف، حين يصبح المرعى والماء مستحيلين في الصحراء، وبذلك لم يحسبوا ضمن قوائم الهجرة.
مجموعة من الموظفين والإداريين من أصول مختلفة من بقية مصر، وهم نادرا ما يستقرون تماما في النوبة، إنما يخدمون مدة محدودة، وبالتالي فإنهم أيضا لم يحسبوا ضمن قوائم المهاجرين.
ويتراوح عدد الذين تم تهجيرهم بين 45 ألف إلى 50 ألف، فالأمور يكتنفها غموض ملحوظ، وإن كانت قوائم وزارة الشئون الاجتماعية آنذاك قد عدت المهاجرين ب 16066 أسرة، عدد أفرادها - حسب المتوسطات المختلفة لكل عمدية على حدة - 44969 شخصا.
نامعلوم صفحہ