رحلہ فی فکر زکی نجیب محمود
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
اصناف
4 «فالعقل وحده كفيل بأن يجد الحكم الصحيح لكل ظرف جديد، وإذا قلت إن الأمر موكول إلى العقل، فكأنما قلت بالتالي إنه ليس من حق أحد أن يقيم النموذج الذي نسوق على غراره أفكارنا وأفعالنا، إلا إذا كان من حق الآخرين كذلك أن يناقشوه، وفي المناقشة قد تتعدد الآراء وتختلف وجهات النظر ...»
5
وإذا كانت الدعوة إلى استخدام العقل والاحتكام إليه في شتى جوانب الحياة، قد بدأت مع بداية الحركة التنويرية في فجر نهضتنا الحديثة، فإن زكي نجيب محمود قد واصل هذه الدعوة بقوة من ناحية، ثم استخدم التحليل العقلي في إلقاء الضوء على مشكلاتنا ومفاهيمنا الشائعة من ناحية ثانية، ثم حاول أن يحدد مفهوم «العقل» وطرق استخدامه من ناحية ثالثة، وهي كلها إضافات غير مسبوقة.
6
فهو مثلا يحاول تحديد «معنى العقل» الذي كثر الحديث عنه بأن يبدأ باستبعاد المعنى الذي شاع طويلا في حياتنا الثقافية، والذي يتصور أن ثمة في عالم الكائنات كائنا مستقلا قائما بذاته اسمه «عقل»، يمكن أن نشير إليه كما يشير اسم «الهملايا» إلى جبل معلوم. ويرى أن العقل يطلق على فعل من نمط ذي خصائص يمكن تحديدها وتمييزها فهو «فاعلية»، تسير في طريقين لا ثالث لهما يلتزم منهما هذا الطريق أو ذاك بحسب الموضوع الذي يفكر فيه: أما أحدهما فهو الطريق الذي يجعل نقطة ابتدائه كلمات بعينها أو رموزا رياضية يصعب عليها عمله الفكري. أما الآخر فهو الطريق الذي يجعل نقطة ابتدائه معطيات تعطيها حواسنا الظاهرة، وهذا هو طريق العلم؛ فالعقل إذن فاعلية تبدأ من بداية معينة، تعتصر الرموز إذا كانت البداية فكرة رياضية، لتقول لنا أنها تنتج كذا وكذا، أو تبدأ من وقائع حسية فتربط بينها وبين وقائع أخرى؛ لتستخرج لنا ما نسميه بالقوانين.
7
وما فعله مفكرنا الكبير بالنسبة لتحديد معنى «العقل»، قام به أيضا فيما يتعلق بمفهوم «الحرية»، وهي فكرة دعا إليه أيضا كثير من المفكرين التنويريين منذ فجر نهضتنا الحديثة ابتداء من رفاعة الطهطاوي إلى لطفي السيد وقاسم أمين حتى طه حسين والعقاد، لكنهم جميعا تركوا لزكي نجيب محمود مهمة وضع فكرة الحرية تحت مجهر التحليل، لينتهي أن لها جانبين: جانب سلبي، الذي يركز على «التحرر» من القيود التي كبلتنا في هذا الميدان أو ذاك (كالتحرر من الاحتلال، وتحرر المرأة من طغيان الرجل، أو تحرر العامل من تحكم صاحب رأس المال ... إلخ). لكن هناك جانبا إيجابيا يتمثل في قدرة الإنسان على أداء عمل ما، ولا قدرة في أي ميدان إلا لمن يعرف حقيقة هذا الميدان وما يتعلق به؛ إنها «حرية الذين يعلمون».
8
وهكذا ربط مفكرنا ربطا وثيقا بين الحرية بمعناها الإيجابي، وقدرة الإنسان على أداء عمل معين «يعرف» كيف يقوم به، فالجانب الإيجابي من الحرية والمعرفة وجهان لعملة واحدة.
9 •••
نامعلوم صفحہ