رحلہ فی فکر زکی نجیب محمود
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
اصناف
أن ما يمتلئ به رأس المتطرف، ما دام لا يمت إلى العلم بصلة، لا بد أن يكون فيه الخصائص المضادة للعلم، ومنها «حرارة الانفعال»، وغموض المعنى واحتمال أن تتعدد فيه وجهات النظر.
72
رابعا:
السمة الأخيرة أن التطرف في الواقع، حالة من حالات التكوين النفسي، ولا نقول إنه وجهة نظر إلا من باب التساهل، وإنما هو في حقيقته الدفينة «حالة نفسية»، تجعل صاحبها على استعداد لأن يتطرف وكفى! فليس المهم هو الموضوع الذي يتطرف فيه، بل المهم في تكوينه هو أن يتطرف للتطرف في حد ذاته؛ ومن هنا رأينا أمثلة كثيرة لمتطرفين يقفزون بين يوم وليلة، من تطرف في فكرة إلى تطرف في الفكرة التي تناقضها؛ فتراه اليوم متطرفا في رؤية إسلامية معينة، ثم نراه غدا متطرفا في رؤية شيوعية، أو العكس؛ مع أن الإسلام والشيوعية ضدان لا يلتقيان.
73 (ب) فلسفة الشهادة
ماذا تعني شهادة «لا إله إلا الله» التي هي أصل ثابت في حياتنا الدينية والثقافية؟! هي من الشجرة العقلية بمثابة الجذع وجذوره، ثم تنبت الغصون وتنمو وتورق؛ فهي شهادة تدل - من بين ما تدل عليه - على ثلاثة أركان دفعة واحدة لإقامة هيكل ثقافي كامل، لو كسوناه لحما لأصبح حياة فكرية، تحمل طابعا يميزها عن كثير مما عداها؛ فهي تدل على ذات إلهية مشهودة، وذات إنسانية شاهدة، ومجموعة من أفراد الناس تتم الشهادة في حضورهم: (1)
أول ركن تدل عليه الشهادة، وجود الذات الإلهية، التي تشهد أن ليس ثمة من آلهة سواها، ثم نجد لهذه الذات صفات كثيرة، تتوحد في نسق معين، هي ما نطلق عليه أسماء الله الحسنى، وهذه المجموعة من الصفات هي لله على نحو مطلق، وهي كذلك للإنسان على نحو نسبي؛ أي إن المسلم لا بد أن يعمل على أن يكون في حياته عالما فريدا قديرا مهيمنا عزيزا جبارا ... إلخ، وإلا كانت شهادته باللفظ دون المعنى. (2)
أما الركن الثاني الذي تتضمنه الشهادة فهو وجود الذات الإنسانية الشاهدة، ولا بد من الوقوف المتأمل عند «الذات الإنسانية» هذه، لنرى متى يتحقق وجودها وكيف؟! إنه مهما يكن من أمر التشابه والتجانس بين أفراد البشر، فلن يكون الفرد الإنسان «ذاتا»، إلا إذا بقيت له بقية يختلف بها عن جميع من عداه، وهي بقية لها كل الأهمية والخطورة؛ لأنها هي التي تحدد هويته، وهي التي نعدها مسئولة أمام الله والناس. وهذا الجانب الفريد من كيان الإنسان، هو الذي «يشهد ألا إله إلا الله».
74 (3)
يبقى الركن الثالث المتضمن في «الشهادة»؛ أعني به وجود الآخرين الذي هو ركن أساسي في حياة هذا الإنسان، ولك أن تقدر الفرق الشاسع بين إنسان يتصرف كما لو لم يكن في الدنيا إنسان سواه، وآخر يضع في اعتباره عند كل خطوة يخطوها وكل فعل يؤديه، أن هناك آخرين اعترف بهم ضمنا حين شهد ألا إله إلا الله. وهكذا تنشأ لنا عن أصل واحد ضروب ثلاثة: الحقيقة الدينية، والفردية الإنسانية، وروابط المجتمع.
نامعلوم صفحہ