الباب الثاني
في فضائل الحجاج والعمار والطواف وما ضاهاها
وفيه فصول:
١ - فصل في فضل الحاج والمعتمر
لا يخفى أن للحج فضيلةً ودرجة ليست لغيره من العبادات والطاعات، دلَّ عليه الكتابُ والسنة، قال تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨] قيل: هي المغفرة، وقيل: التجارة، وقال مجاهد وعطاء: بل يعم منافع الدنيا والآخرة، وقال الزمخشري، تحت هذه الآية: كان أبو حنيفة يفاضل بين العبادات قبل أن يحج، فلما حج، فضل الحجَّ على العبادات كلِّها؛ لما شاهد من تلك الخصائص، انتهى. نعم هذه عبادة تعم إنفاقَ المال واستعمالَ البدن، فتكون فاضلةً على ما يختص بواحد منهما، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٠] وقال [ابن] مسعود، والحسن، وسعيد بن جبير في قوله تعالى: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: ١٦] إنه طريق مكة، والمعنى: أصدُّهم عن الحج.
وعن أم سلمة، قالت: قال رسول الله ﷺ: "الحج جهادُ كل ضعيف" رواه ابن ماجه. وعن عمران، عن النبي ﷺ، قال: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإن متابعةَ ما بينهما تزيدُ في العمر والرزق، وتنفي الذنوب كما ينفي الكيرُ خَبَثَ الحديد"، أخرجه ابن أبي خيثمة في "تاريخه"، وابن الجوزي. وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، قال: قال رسول الله ﷺ: "وفدُ الله ثلاثة: الغازي، والحاجُّ، والمعتمرُ" أخرجه النسائي، وابن حبان، وصححه الحاكم على شرط
1 / 23