ذلك زهيرا فلم يدخل القيروان ونزلوا (1) على باب سلع وأقام ثلاثة أيام حتى استراح الجيش وزحف في اليوم الرابع حتى أشرف على كسيلة آخر النهار فلما نزل الناس باتوا على مصافهم فلما أصبح صلى ثم زحف إليهم فالتحمت الحرب فانهزم كسيلة وقتل بممس ولم يجاوزها ومضى الناس في طلب البربر فقتلوهم قتلا ذريعا ورجع زهير إلى القيروان مخافة من بأفريقية واشتد جزعهم ولجؤا إلى الحصون والاقلاع ثم أن زهيرا رأى بأفريقية ملكا عظيما فكره الإقامة بها فقال إنما خرجت للجهاد وأخاف أن تملكني الدنيا فأهلكت ولست أرضى بها ولا بملكها ورغد عيشها وكان رحمه الله من رؤساء العابدين وكبار الزاهدين فرجع قافلا إلى المشرق فلما انتهى إلى برقة وكان الروم حين سمعوا برحيله منها إلى أفريقية خرجوا إليها بمراكب فغاروا وأخذوا نساء وقتلوا ونهبوا ووافق ذلك قدوم زهير من أفريقية فأخبر بذلك فأمر العسكر بالسير على الطريق وسار هو على الساحل طمعا أن يدرك سبي المسلمين فأشرف على الروم وهم في خلق عظيم فلم يقدر على الرجوع واستغاث به الأسارى والروم يدخلونهم المراكب فأمر أصحابه بالنزول فنزلوا وقصدوا الروم والتحم القتال حتى عانق بعضهم بعضا وكثرت النصارى فقتل زهير ومن معه وادخل الروم جميع السبي مراكبهم وارتحلوا إلى القسطنطينية ولما انتهى الخبر إلى عبد الملك عظم ذلك عليه وبلغ منه لفضل زهير ودينه وكانت مصيبته كمصيبة عقبة رحمهما الله تعالى وغضب أشراف المسلمين وسألوا عبد الملك أن ينظر في سد ثغر أفريقية فقال لا أعلم أعظم من حسان بن النعمان الغساني وكان حسان بمصر في عسكر عدده أربعون ألفا عدة لما يحدث فكتب إليه عبد الملك يأمره بالتوجه إلى أفريقية وأطلق يده في أموال مصر يعطي منها من ورد عليه من الناس ما شاء فقدم حسان بن عسكر عظيم لم يدخل أفريقية قط مثله وذلك في سنة تسع
صفحہ 130