تحفة النظار فی غرائب الامصار وعجائب الاسفار
رحلة ابن بطوطة
ناشر
دار الشرق العربي
فأتوه به واطبخوا له ما يشاء وأكد عليهم ذلك أشد التأكيد جزاه الله خيرًا.
ثم سافرنا من مدينة تستر ثلاثًا في جبال شامخة وبكل منزل زاوية كما تقدم ذكر ذلك ووصلنا إلى مدينة إِيذَجْ "وضبط اسمها بكسر الهمزة وياء مد وذال معجم مفتوح وجيم"، وتسمى أيضا مال الأمير، وهي حضرة السلطان أتابك وعند وصولي إليها اجتمعت بشيخ شيوخها العالم الورع نورالدين الكرماني وله النظر في كل الزوايا وهم يسمونها المدارس والسلطان يعظمه ويقصد زيارته وكذلك أرباب الدولة وكبراء الحضرة يزورونه غدوًا وعشيًا فأكرمني وأضافني وأنزلني زاوية تعرف باسم الدينوري، وأقمت بها أيامًا وكان وصولي في أيام القيظ وكنا نصلي صلاة الليل ثم ننام بأعلى سطحها ثم ننزل إلى الزاوية ضحوة وكان في صحبتي اثنا عشر فقيرًا، منهم إمام وقارئان مجيدان وخادم ونحن على أحسن ترتيب.
خبر ملك إيذج وتستر:
وملك إيذج في عهد دخولي إليها السلطان أتابك أفراسياب بن السلطان أتابك أحمد وأتابك عندهم سمة لجميع من يلي تلك البلاد من ملك وهي تسمى بلاد اللور. وولي هذا السلطان بعد أخيه أتابك يوسف وولي يوسف بعد أبيه أحمد وكان أحمد المذكور ملكًا صالحًا، سمعت من الثقات ببلاده أنه عمر أربعمائة وستين زاوية ببلاده، منها بحضرة إيذج أربع وأربعون، وقسم الخراج أثلاثًا ثلث لنفقة الزوايا والمدارس وثلث لمرتب العساكر وثلث لنفقته ونفقة عياله وعبيده وخدامه، ويبعث منه هدية لملك العراق في كل سنة وربما وفد عليه بنفسه، وشاهدت من آثاره الصالحة ببلاده أن أكثرها في جبال شامخة وقد نحتت الطرق في الصخور وسويت ووسعت بحيث تصعدها الدواب بأحمالها وطول هذه الجبال مسيرة سبعة عشر في عرض عشرة وهي شاهقة متصل بعضها ببعض تشقها الأنهار وشجرها البلوط وهم يصنعون من دقيقه الخبز، وفي كل منزل من منازلها زاوية يسمونها المدرسة فإذا وصل المسافر إلى مدرسة منها أتى بما يكفيه من الطعام والعلف لدابته سواء طلب ذلك أو لم يطلبه فإن عادتهم أن يأتي خادم المدرسة فيعد من نزل بها من الناس ويعطي
1 / 148