رفاعة الطهطاوی: زعيم النہضۃ الفکریۃ فی عصر محمد علی
رفاعة الطهطاوي: زعيم النهضة الفكرية في عصر محمد علي
اصناف
ومن الواجب هنا أن نناقش الأسباب التي أدت إلى إضعاف هذا القلم رغم ما كان يعقده عليه رفاعة من آمال. وأهم هذه الأسباب فيما نرى أن الغرض الأساسي الذي دفع الحكومة لإنشائه كان هو ترجمة القوانين الفرنسية فلما تمت ترجمة هذه القوانين قلت عناية الحكومة بالقلم.
أما السبب الثاني - ولعله أهم وأقوى من السبب الأول - فيتلخص في أن قلم الترجمة الجديد لم تقم إلى جانبه المدرسة التي تمده بالمترجمين الصالحين كما كان الحال في عهد محمد علي. حقيقة لقد أنشئت في عهد إسماعيل مدرسة للألسن ولكنها كانت تختلف اختلافا كبيرا عن سابقتها في عهد محمد علي.
أنشئ قلم الترجمة في عهد إسماعيل في سنة 1863م، ولم تنشأ مدرسة الألسن إلا في سنة 1868م. وقد سميت المدرسة الجديدة باسم مدرسة الإدارة والألسن، وكانت برامجها ترمي إلى العناية بدراسة القوانين وإعداد القضاة ورجال القانون لا إعداد المترجمين؛ ولهذا لم تلبث أن تطورت هذه المدرسة حتى أصبحت «مدرسة الحقوق»؛ ولهذا أيضا بدأت الحكومة تحس حاجتها إلى مدرسة خاصة لإخراج المترجمين، فأنشأت هذه المدرسة باسم «مدرسة الألسن» ولكن في سنة 1878م، أي في أواخر عهد إسماعيل وبعد وفاة رفاعة بنحو خمس سنوات. وهذه المدرسة هي التي ستتحول مع الزمان فتصبح مدرسة للمعلمين.
إصلاحات رفاعة في التعليم والمجتمع
يقول الأستاذ أحمد أمين بك في مقالاته عن رفاعة: «كان من العادات الظريفة التي اندثرت أن يجتمع الجم الغفير من العلماء والأمراء والأغنياء والتجار في ليلة من ليالي رمضان في بيت السادات في «بركة الفيل»، ويجلس الشريف الحسيب النسيب شيخ السادات مجلسه الفخم الوقور يمنح الرتب والألقاب لمن شاء من الزوار، ولكن ليست رتبة «بك» ولا «باشا» ولا نحو ذلك، إنما هي ألقاب وكنى يستمدها من الوحي الصوفي والإلهام اللدني؛ فهذا أبو الأنوار، وهذا أبو الوفاء، وهذا أبو البركات، وهذا أبو الخير. ففي ليلة من هذه الليالي الرمضانية كان من الزوار شيخنا الشيخ رفاعة، فتفرس فيه شيخ السادات، ونظر إليه بقلبه، ثم قال له: «اذهب فأنت أبو العزم»، وكذلك كان، وكانت كنية موفقة، فأبرز صفات الشيخ رفاعة عزمه.»
أجل، فقد كانت أبرز صفات رفاعة عزمه، وعزمه القوي الذي لا يكل ولا يفل. وقد لاحظنا كيف كان الرجل دائب العمل جم النشاط في كل أدوار حياته. وقد ظلت هذه الصفات تلازمه حتى آخر سني حياته، فنلاحظ أنه لم يقنع بعمله في قلم الترجمة رغم كثرته، فامتد نشاطه إلى ميادين أخرى كثيرة تتصل كلها بالتعليم وإصلاحه وبالتأليف والترجمة.
ففي هذا العهد عين رفاعة عضوا دائما «بقومسيون المدارس»، وهو المجلس الذي كان ينظر في السياسة العليا للتعليم ويضع النظم والقوانين والبرامج للمدارس، وكان رفاعة العضو الدائم الوحيد بهذا «القومسيون»، أما بقية الأعضاء فهم نظار المدارس العليا، وكانوا يتغيرون بين الحين والحين، كما أنهم كانوا يستدعون كلما اقتضت الضرورة استدعاءهم.
وقد كان لرفاعة جهد مشكور في تنظيم تدريس اللغة العربية ومحاولات طيبة لإصلاح هذا التدريس، فكان يمتحن الشيوخ والفقهاء كل عام ليتخير من بينهم الأكفاء الصالحين لوظائف التدريس.
وكان يزور المدارس للتفتيش على هؤلاء المدرسين واختبار كفايتهم، ثم يترك لهم قبل مغادرة المدرسة التقارير الصالحة وفيها بيان إرشادي لخير الوسائل الممكن اتباعها لتدريس اللغة العربية مع مراعاة الظروف المختلفة كنوع المدرسة وسن التلاميذ ومدة الدرس ... إلخ.
ولاحظ رفاعة بعد هذه الجولات التفتيشية أن الكتب التي بين أيدي التلاميذ كتب غير صالحة، فبدأ يضع بنفسه كتبا جديدة هي الخطوة الأولى بحق في سبيل النهضة بالكتب المدرسية في تاريخنا التعليمي. وكان رفاعة يسترشد في عمله الجديد بما رأى وما درس من كتب فرنسية أثناء تلقيه العلم في فرنسا.
نامعلوم صفحہ