رفاعة الطهطاوی: زعيم النہضۃ الفکریۃ فی عصر محمد علی
رفاعة الطهطاوي: زعيم النهضة الفكرية في عصر محمد علي
اصناف
لبث رفاعة مترجما في مدرسة الطب نحو سنتين، ولكنه يبدو أنه كان في هذه المدرسة مصححا ومحررا أكثر منه مترجما، إذ لم يعرف أنه ترجم في الطب غير الرسالة الصغيرة التي ترجمها وهو في باريس وضمنها رحلته، ولكنه قام في هذه الفترة بمراجعة كتاب «التوضيح لألفاظ التشريح» في الطب البيطري، الذي ترجمه يوسف فرعون وصححه الشيخ مصطفى حسن كساب. فقد قرر مجلس الجهادية في 20 جمادى الأولى سنة 1248ه «بناء على ما ورد على مجلس المشورة في مدرسة الطب البيطري الموافقة على طبع كتاب التشريح الذي ترجم بعد مراجعة الترجمة بمعرفة الشيخ رفاعة أفندي وهرقل البيكباشي واتضاح صحتها ...» وقد ذكر في خاتمة الكتاب أنه تم ترجمة في التاسع عشر من شعبان سنة 1247ه، وأنه تم طبعا في بولاق في غرة صفر سنة 1249ه. (2) في مدرسة الطوبجية
وفي سنة 1249ه نقل رفاعة من مدرسة الطب ليكون مترجما بمدرسة الطوبجية بطرة خلفا للمستشرق الشاب «كنيك
Koenig ». وفي هذه المدرسة قام رفاعة بترجمة بعض الكتب الهندسية والجغرافية اللازمة لمدرسة الطوبجية وغيرها من المدارس الحربية، فأتم أولا ترجمة كتاب «مبادئ الهندسة» الذي طبع في سنة 1249ه.
أما علم الجغرافيا، وهو العلم الحبيب إلى رفاعة منذ كان يتلقى العلم في باريس، فقد كان علما هاما وضروريا لتلاميذ المدارس الحربية، ولم يكن في متناول أيديهم حتى ذلك الحين كتاب واحد في هذا العلم باللغة العربية أو التركية، فأشار «سكويرابيك
Don Antonio de Seguera Bey » ناظر المدرسة بأن يعيد طبع كتاب «الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار»، وهو كتاب جغرافي صغير سبق أن طبع في مالطة. غير أن رفاعة وجد أن عبارة الكتاب «مالطية وحشية»، فأعاد تصحيحها وتحريرها حتى خرجت الطبعة الثانية «بالنسبة للعبارة أظرف من طبعة مالطة وأجمل.» ومع هذا فإن رفاعة لم يقنع بأن يعتمد على مجهود غيره، وقد كان في عزمه منذ عاد من البعثة أن ينقل كتب الجغرافية التي قرأها إلى العربية، فبدأ بترجمة كتاب خاص أسماه: «التعريبات الشافية لمريد الجغرافية»، وهو - كما يتضح من مقدمته - أصول دروسه في هذا العلم، تخيرها من كتب فرنسية مختلفة، لا من كتاب واحد، وألقاها على تلاميذ مدرسة خاصة أنشئت فيما يبدو ملحقة بمدرسة طرة لتدريس علم الجغرافيا ولتخريج مدرسين مختصين في هذا العلم يتولون تدريسه في المدارس الحربية الأخرى. (3) في مدرسة التاريخ والجغرافيا
لم تشر المراجع التي كتبت عن تاريخ التعليم في عصر محمد علي إلى هذه المدرسة، ولكن بعض وثائق العصر أشارت إلى وجودها. وأيد هذا الوجود رفاعة نفسه في مقدمته للكتاب السابق الذكر، فقد صدر أمر من محمد علي باشا إلى ناظر الجهادية في 14 جمادى الآخرة سنة 1251ه (قبيل إنشاء مدرسة الألسن) بتعيين «عبده» «مدرسا للجغرافيا بمكتب البيادة بدمياط، وهو من ضمن الأربعة المتممين السابق إرسالهم لطرة للقيام بتدريس (يقصد تعلم) الجغرافيا بمدرستها، وهم من الذين رباهم الشيخ رفاعة؛ وإرسال 10 شبان للشيخ لتربيتهم ...»
وهذه كما يتضح من نص الأمر السابق لم تكن مدرسة بالمعنى الصحيح، ولكنها لم تعد أن تكون فصلا ملحقا بمدرسة المدفعية خصص لتعليم بعض الطلبة علم الجغرافية ليتخرجوا مدرسين لهذا العلم في المدارس الحربية الأخرى. غير أن رفاعة يسمي هذا الفصل مدرسة، ويذكر أنها أنشئت بموافقة «مشورة الجهادية» لتعليم الجغرافيا والتاريخ، فلا بأس إذن من أن نحاول شرح الأسباب التي أدت إلى فتح هذا الفصل، أو المدرسة؛ فإنها في نظري النواة التي نشأت عنها مدرسة الألسن بعد قليل.
لم يكن رفاعة على اتفاق مع «سكويرابك» ناظر مدرسة الطوبجية، فقد عرف هذا الرجل باعتداده الزائد بنفسه، وبحدة طبعه، وبعدائه للفرنسيين، وبالتالي للمثقفين ثقافة فرنسية، فهو إسباني الأصل، وكان قبل حضوره إلى مصر ضابطا برتبة «كولونل» في سلاح المدفعية في الجيش الإسباني، وإليه كما يقول الدكتور عزت عبد الكريم «يرجع الفضل في إنشاء المدفعية المصرية ومدرسة المدفعية بطرة.» غير أنه للأسباب السابق ذكرها كان يرفض أن يستمع لأوامر مختار بك مدير المدارس، كما كان يكره سليمان باشا الفرنساوي مفتش المدارس الحربية كرها شديدا ويطعن في معارفه العسكرية وخاصة في فن المدفعية. وقد أدت هذه السياسة وهذا الخلق إلى عزله في سنة 1836م/1251ه، ففي تلك السنة صدرت أوامر محمد علي بتكوين لجنة لتنظيم التعليم في مصر. ورأت اللجنة أن يكتب كل عضو فيها اقتراحاته، ثم يجتمع الأعضاء فينظرون في هذه المقترحات مجتمعين، ولكن «سكويرابك» رفض وحده هذا الرأي، قائلا إنه لا يخضع لرأي غيره، ولا يعمل إلا ما يراه هو صالحا، «فكان ذلك سبب عزله لاعتباره أجنبيا عن مصلحة الجناب العالي، وليس من العقل ائتمان الأجنبي المتجنب على المصالح، كما كان عزله سببا في طاعة بقية نظار المدارس، فانصرفوا ينفذون القرار ويدونون مقترحاتهم ...»
1
لم يكن من المنتظر إذن أن تحسن العلاقات بين رفاعة وبين هذا الناظر المتعجرف. وكان رفاعة قد شغف - منذ كان طالبا في باريس - بدراسة وترجمة علمي التاريخ والجغرافيا، ورسم لنفسه أن يقوم بترجمة الكتب فيهما بعد عودته. فقد قال في رحلته: «وإن شاء الله تعالى بأنفاس ولي النعم يصير التاريخ على اختلافه منقولا عن الفرنسية إلى لغتنا، وبالجملة فقد تكفلنا بترجمة علمي التاريخ والجغرافيا بمصر السعيدة بمشيئته تعالى وبهمة صاحب السعادة محب العلوم والفنون ...» فلعله رفع - وهو يدرس الجغرافية بمدرسة طرة - إلى محمد علي باشا أو إلى مشورة الجهادية اقتراحه بأن ينشئ مدرسة لتدريس هذين العلمين وترجمتهما، ولعل المشورة وافقت على إنشاء هذا الفصل كتجربة، فإذا تبين نجاحه أكملته وزادت في اختصاصه. يقول رفاعة في مقدمة «التعريبات الشافية» موضحا لهذه الفكرة وداعيا لها ومبينا الغرض من ترجمة هذا الكتاب وطريقة ترجمته: «لما سمحت مشورة الجهادية، ذات الآراء السنية الذكية، أن أفتح لفنون الجغرافيا والتاريخ مدرسة، تكون على قراءة هذه العلوم مؤسسة، لتشتهر ثمراتها الزاهرة، في إيالات أفندينا الفاخرة العامرة، فإن ذلك مما تدعو الحاجة إليه، ويتأكد العمل به والوقوف عليه، لا سيما لأرباب الدولة والسياسة المدنية، وأصحاب التدبير والإدارة الملكية، وأصول أهل المناصب وضباط الطوائف العسكرية، وكامل ذوي الصنايع والحرف والمهمات التجارية. فكل من تأمل فيها وعرف، رقي فيها إلى أعلى مراتب الفضل والشرف. على أن كثيرا منها ما تبنى عليه أحكام شرعية، وحكم وآداب عرفية، وقوانين بين سائر ملوك البرية. فهو لمثل هذا الغرض، يعد عند أرباب الصناعة من المفترض. أخذت عدة تلامذة لهذا المعنى الممدوح، وتوجهت بالقلب والقالب لتعليمهم بصدر مشروح. وليس بيدي من كتب الجغرافيا شيء باللغة العربية يحتوي على التفصيل والترتيب على نسق ما في الكتب الإفرنجية؛ فلهذا اعتمدت كتابا موجزا في هذا الفن النفيس، موضوعا لمدارس مبادئ العلوم بمدينة باريس، وشرعت في ترجمته درسا بعد درس لهذا القصد؛ حتى لا يضيع السعي ولا يخيب الجد. ولما رأيت أن مؤلفه أطنب في أوروبا لكونها وطنه، وأوجز في غيرها حيث لم تكن داره ولا سكنه، فبهذا الوصف لا يكون لنا كافيا، ولا لغليل المتطلعين إليه شافيا. وكنت اطلعت على غيره من كتب العلوم الجغرافية، ومارست كثيرا منها وراعيتها حق رعايتها مدة إقامتي بمملكة الفرنساوية، أردت أن أتمم المرام، بتلخيص ما يناسب المقام؛ حتى تحصل الموازاة والموازنة، والمعادلة والمقارنة.» إلى أن قال: «... وإن شاء الله يترجم من اللغة العربية إلى اللغة التركية، حتى تكون ثمرته عامة جلية ... إلخ.»
نامعلوم صفحہ