Rebuttal and Commentary on Sheikh Shuaib Al-Arnaout's Interpretation of Some Hadiths on Attributes
استدراك وتعقيب على الشيخ شعيب الأرنؤوط في تأويله بعض أحاديث الصفات
ناشر
دار بلنسية للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤١٩ هـ
پبلشر کا مقام
المملكة العربية السعودية
اصناف
استِدرَاك وَتَعقِيب
عَلى الشَّيخ شُعَيب الأَرنَؤُوط في تَأوِيلِهِ بَعض أحَادِيثِ الصِّفَاتِ
بقلم
خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشّايع
قَرَأه وَعَلّقَ عَليه
سَمَاحَة الشيخ العَلّامَة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
المفتي العَام للمملكةِ العَرَبيَّةِ السُّعودِيَّة
دار بلنسية
1 / 1
استِدرَاك وَتَعقِيب
عَلى الشَّيخ شُعَيب الأَرنَؤُوط في تَأوِيلِهِ بَعض أحَادِيثِ الصِّفَاتِ
في تعليقه على "صحيح ابن حبان" و"رياض الصالحين" و"زاد المعاد" و"مسند الإمام أحمد" و"شرح السُّنَّة"
بقلم
خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشّايع
قَرَأه وَعَلّقَ عَليه
سَمَاحَة الشيخ العَلّامَة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
المفتي العَام للمملكةِ العَرَبيَّةِ السُّعودِيَّة
دار بلنسية
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
استِدرَاك وَتَعقِيب
عَلى الشَّيخ شُعَيب الأَرنَؤُوط في تَأوِيلِهِ بَعض أحَادِيثِ الصِّفَاتِ
1 / 3
الحقوق جميعها محفوظة للمؤلف - الطبعة الأولى ١٤١٩ هـ
الصف والإخراج بقسم الصف بدار بلنسية
دار بلنسية
دار بلنسية للنشر والتوزيع - المملكة العربية السعودية - الرياض ص. ب ٥٧٢٤٢ - الرمز البريدي ١١٥٧٤ - هاتف وفاكس: ٤٨٢١٧٧٦ (٠١)
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في إلهيته ولا في أسمائه وصفاته، تعالى عن مماثلة المخلوقات، وتقدَّس عن النقائص والعيوب، هو -سبحانه- كما وَصَفَ نفسَهُ، وفوق ما يصفه خلقه.
وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، بَعَثَه الله على حين فترةٍ من الرُّسل، ففتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلفًا، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أكمل الله به الدين وأتمَّ به النعمة. فجزاه الله خير ما جزى نبيًّا عن أمته، وآتاه الوسيلة والفضيلة، وبعثه مقامًا محمودًا الذي وعده.
ورضي الله عن آله وأصحابه الذين بلَّغوا للأمة عن نبيها
1 / 5
دينها، فما توانوا في ذلك وما بدَّلوا ولا غيروا، فكانوا على طريقة نبيهم ومنهجه، قال تعالى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ [سورة البقرة الآية: ١٣٧]، فهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم ﵃ وأرضاهم- وعمَّن سار على نهجهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه لمَّا كانت معرفة الله ﷾ بأفعاله وأسمائه وصفاته سببًا لحياة القلوب وطمأنينة النفوس وانشراح الصدور، وحيث أن ذلك لا يتأتى إلَّا بالوحيين وفهمهما على طريقة السلف الصالح الذين اقتفوا آثار النبي ﷺ وآثار صحابته وتابعيهم بإحسان، فإن مما ينبغي على الناصح لنفسه المريد لسعادتها ونجاتها في الدارين أن يقتفي تلك الآثار وأن يحذر مما يخالفها.
ولمَّا كان من مقتضيات ذلك: تعلُّم العلم الصحيح وبثه في الأُمَّة، وتحذيرها مما يخالفه، ورأس ذلك: العلم بأسماء الله وصفاته على ما يليق بكمال ذاته العليَّة وجلال سلطانه العظيم سبحانه.
1 / 6
فقد رأيت أن أُنَبِّه إلى بعض الأخطاء العقدية التي وقع فيها أحد علماء عصرنا الفضلاء، والذي له من العناية بتحقيق الكتب القيِّمة ونشرها والتسبب في ذلك ما ينبغي أن يشهد له به كل منصف. أعني العالم الفاضل والشيخ الجليل شعيب الأرنؤوط -نفع الله به-.
وليعلم أنني ما كتبت هذه الورقات إلا نُصحًا لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين -هذا ما أبتغيه وأرجوه- ولم أقصد بذلك حطًّا من شأن هذا العالم الفاضل، فإنني على علم وتقدير لجهوده في نشر كثير من تراث السلف وآثارهم، هو بنفسه مباشرة أو مشاركة أو إشرافًا على غيره، ولعلَّ ما أمضاه من سنوات في البحث والتحقيق تزيد على سنيِّ عمري منذ وُلِدت.
ولكن لمَّا كانت الأخطاء الواقعة من الشيخ شعيب الأرنؤوط متعلقة بأمرٍ عظيم هو أغلى وأهم وأعظم ما لدى المكلف في هذه الحياة أَلَا وهو العقيدة، فقد رأيت أن الواجب بيانُ تلك الأخطاء والتحذيرُ من الوقوع فيها، خاصة وأنها مدونة في حواشي كتب عدد من الأئمة الأعلام الذين لا يرتضون هذا النهج بل ويحذرون منه في حياتهم، وفيما دَوَّنوه من مصنفات.
1 / 7
ثم إن هذه التحقيقات للشيخ شعيب الأرنؤوط يطَّلع عليها فِئام من الناس، فمنهم المميز لها العارف بعوارها، ومنهم من تنطلي عليه من غير تمييز، وقد سمعت أكثر من شخص يخبر أنه لم يميز ذلك الخطأ العقدي إلا بعد زمن، مع أنهم درسوا العقيدة الصحيحة وتَشَرَّبوها وفقهوها، فكيف بغيرهم!
وقد يقول قائل: ألم يكن من الأنسب أن تكتب هذه الملحوظات إلى الشيخ شعيب الأرنؤوط لتنصح له سرًّا بينك وبينه؟
وجواب ذلك أن يُقال: إنَّ هذا أمرٌ حسن لو أن تلك الأخطاء العقدية كانت لدى الشيخ شعيب في نفسه، من غير أن يكتبها وينشرها على الملأ، أمَّا وقد نُشرت وهي مدونة منذ عشرات السنين ولم تصحح، فإن الواجب بيانها على الملأ، ليحذرها المسلمون ويتنبهوا لها.
وإنني لا أُخفي استغرابي الشديد من تلك الأخطاء العقدية في باب الأسماء والصفات التي وقع فيها الشيخ شعيب الأرنؤوط، فقد جاء بيانها وتجليتها على نهج أهل السُّنَّة والجماعة في كتب قام الشيخ شعيب الأرنؤوط بتحقيقها
1 / 8
والتعليق عليها والتقديم لها. كما كتب على طُرَرِ تلك الكتب، ومنها: "شرح العقيدة الطحاوية" (١) للإمام ابنِ أبي العز الحنفي ﵀ و"شرح السنة" (٢) للإمام البغوي ﵀ وغيرهما.
وفي ختام هذه المقدمة أُنَبِّه لأمور:
أولًا: أن الشيخ شعيب الأرنؤوط قد قرر في بعض تعليقاته عقيدة الأشاعرة في باب الأسماء والصفات بكلام من إنشائه هو، وفي البعض الآخر -وهو الأكثر- قرر تلك العقيدة بنقولات عن بعض العلماء المتقدمين ممن كانت له بعض الهفوات في هذا الجانب ﵏ وعفا عنهم- أو ينقل كلامًا موهمًا عن بعض العلماء المحققين من أهل السُّنَّة، أو يكون مما استدرك عليهم وخولفوا فيه.
وعلى كل هذه الأحوال فَتَبِعَةُ هذا الكلام مُنشأً أو منقولًا تكون على ناقله، ولو لم يكن يرتضيه ويذهب إليه، لنقل كلام أهل السُّنَّة والجماعة.
_________
(١) طبع مؤسسة الرسالة، بيروت.
(٢) طبع المكتب الإِسلامي، بيروت.
1 / 9
ثانيًا: أنني في هذه الرسالة لم أُرد الاستقصاء بذكر جميع تلك الأخطاء، ولكن أوردت أمثلة ونماذج تدل على نظائرها، بحيث أنه إذا وجد تعليق على مسألة من مسائل العقيدة -وخاصة في باب الأسماء والصفات- يلتزم القارئ الحذر ولا يأخذ ما يقرأه بالتسليم إلا بعد التحري والسؤال.
وقد أَتْبَعْتُ تلك النماذج ببعض النقول عن بعض علماء أهل السنة والجماعة في تقرير بعض الصفات والرد على من تأولوها. وفيما ذكرته تنبيهٌ على ما تركته.
ولا ريب أن مما يُحزن المرء أن كثيرًا من كتب أئمة السلف قام على طبعها ونشرها بعض من ليسوا على طريقتهم ومنهاجهم وخاصة في باب الأسماء والصفات، سواء كانوا محققين أم أصحاب دور نشر أو غيرهم، نسأل الله أن يُصلح المقاصد والنِيَّات.
وأخيرًا: فإنني أُكرر ما ذكرته آنفًا بأنني لا أُريد بما كتبت تشهيرًا بالشيخ الأرنؤوط ولا تهوينًا بجهوده، ولا تَنَقُصًا له ولا إزراءً عليه ولا اتهامًا في الدين، معاذ الله، وما حال الشيخ شعيب الأرنؤوط إلَّا كحال علماء سبقوا تأولوا وأخطأوا، وكم
1 / 10
من مريدٍ للخير لم يُصِبْه، وما أحسن ما قال شيخ الإِسلام ابن تيمية ﵀: " ... ثم إنَّه ما مِنْ هؤلاء إلَّا مَنْ له في الإِسلام مساعٍ مشكورة، وحسناتٍ مبرورة ... ما لا يخفى على مَنْ عَرَفَ أحوالهم، وتكلم فيهم بعلمٍ وصدقٍ وعدلٍ وإنصاف ... " (١).
ولمَّا كانت الهفوات المستدركة متعلقة بأصل الدين ورأس ذلك صفات الرب تعالى وتقدَّس؛ فقد تعين الإنكار والبيان، وقد صحَّ عن النبي ﷺ أنه قال: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه الإِمام مسلم (٢).
ثم إن تقريرَ الحق وبيانَهُ مقدم على كل أحد مهما كان مقامه، كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢)﴾ [سورة التوبة، الآية: ٦٢].
ولو كان الخلاف في أمور فرعية واختيارات فقهية لكان المجال أوسع وأرحب.
_________
(١) ينظر: "العقل والنقل" (٢/ ١٠٢).
(٢) "صحيح مسلم"، (٤٩). كتاب الإيمان: باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان.
1 / 11
وما أحسنَ ما قاله الإِمام الحافظ الحسين بن مسعود البغوي لَمَّا أورد أَحَدَ أحاديث الصفات، قال: "وكذلك كُلُّ ما جاء به الكتاب أو السُّنَّة من هذا القبيل في صفات الله -تعالى- كالنَّفْسِ، والوجه، والعين، واليد، والرِّجْل، والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك، والفرح.
فهذه ونظائرها صفاتٌ لله -تعالى- وَرَدَ بها السمع يجب الإيمان بها، وإمرارها على ظاهرها، مُعْرِضًا فيها عن التأويل، مجتنبًا عن التشبيه، معتقدًا أنَّ الباري ﷾ لا يشبه شيءٌ من صفاته صفات الخَلْق، كما لا تشبه ذاتُه ذواتِ الخلق، قال الله ﷾: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)﴾ [سورة الشورى، الآية: ١١].
وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة، تلقوها جميعًا بالإيمان والقبول، وتجنبوا فيها عن التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله ﷿ كما أخبر الله ﷾ عن الراسخين في العلم، فقال ﷿: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧)﴾ [سورة آل عمران، الآية: ٧].
1 / 12
قال سفيان بن عُيينة: كُلُّ ما وصف الله -تعالى- به نفسه في كتابه، فتفسيرُه قراءته، والسكوت عليه، ليس لأحدٍ أن يفسره إلا الله ﷿ ورسلُه.
وسأل رجلٌ مالكَ بن أنس عن قوله ﷾: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)﴾ [سورة طه، الآية: ٥] كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالًا. وأمر به أن يُخرج من المجلس.
وقال الوليد بن مسلم: سألتُ الأوزاعيَّ، وسُفيانَ بن عُيينة، ومالكَ بن أنس عن هذه الأحاديث في الصفات والرؤية، فقال: أَمِرُّوها كما جاءت بلا كيف.
وقال الزُّهريُّ: على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.
وقال بعض السلف: قَدَمُ الإِسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم" ا. هـ (١).
_________
(١) "شرح السُّنَّة" (١/ ١٦٨ - ١٧١) ط المكتب الإِسلامي، ١٤٠٣هـ، بتحقيق الشيخين: زهير الشاويش، وشعيب الأرنؤوط.
1 / 13
ثم إني أشكر سماحة والدنا وشيخنا العلَّامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -المفتي العام في المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء- لاستجابته النظر في هذه الرسالة وقراءتي لها بين يديه، وتفضله بالمراجعة والتعليق في مجالس متعددة برغم كثرة مشاغله العامة في العمل الرسمي والدروس العلمية وغير ذلك، فجزاه الله خيرًا وجعله مباركًا أينما كان، وأعلى درجاته في العالمين، آمين (١).
هذا، والله المسئول أن يُصلح أحوال المسلمين ويلزمهم كتابه وسنة نبيه ﷺ، وأن يُصلح ولاة أمورهم من الحكام والعلماء ويوفقهم للاهتداء بالوحيين والعمل بهما، وأسأله سبحانه أن يتجاوز عن زللي وخطأي ويهديني للتي هي أقوم، وأن يجزي الشيخ شعيب الأرنؤوط خيرًا على تسببه في نشر الكتب النافعة للأمة، ويعظم ثوابه ويوفقنا وإياه للتي هي أقوم، وأن يغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات يوم يقوم الحساب.
_________
(١) ملحوظة: تعليقات سماحة الشيخ عبد العزيز ختمتها بكتابة اسمه -حفظه الله ومتعه ومتَّع به-.
1 / 14
والحمد لله أولًا وآخرًا. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد ولد عدنان وعلى آله وأصحابه الأطهار وتابعيهم بإحسان. ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)﴾ [سورة الصافات، الآيات: ١٨٠ - ١٨٢].
وكتب: خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
الرياض. ص. ب: ٥٧٢٤٢
تحريرًا في ١٥/ ١ / ١٤١٨هـ
1 / 15
الموضع الأول تأويل صفة اليد لله -سبحانه-
في التعليق على "رياض الصالحين" للإمام النووي ﵀
1 / 17
الموضع الأول تأويل صفة اليد لله -سبحانه-
في التعليق على "رياض الصالحين" للإمام النووي ﵀
* لمَّا أورد المؤلف الإِمام النووي (١) ﵀ حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تمرةٍ مِنْ كَسْبٍ طيِّبٍ، ولا يَقْبَلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ، فإنَّ اللهَ يَقْلُهَا بِيَمِينِهِ، ثم يُرَبِّيها لصاحِبِهَا، كما يُرَبِّي أَحَدُكُم فَلُوَّهُ، حتَّى تكونَ مثلَ الجَبَل" متفق عليه (٢).
_________
(١) "رياض الصالحين" (ص ٢٧٦). رقم الحديث (٥٦١) ط مؤسسة الرسالة، بيروت ١٤٠٨ هـ.
(٢) "صحيح البخاري" (١٤١٠) كتاب الزكاة: باب لا يقبل الله صدقة من غُلول، ولا يقبل إلَّا من كسب طيب، و(٧٤٣٠) في كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [سورة المعارج، الآية: ٤]، وقوله -جلَّ ذكره-: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [سورة فاطر، الآية:١٠]. و"صحيح مسلم" (١٠١٤) كتاب الزكاة: باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها.
1 / 19
• قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في الحاشية:
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٣/ ٢٢٢): قال المازري: هذا الحديث وشبهه إنما عبَّر به النبي ﷺ على ما اعتادوا في خطابهم، ليفهموا عنه، فكنَّى عن قبول الصدقة باليمين، وعن تضعيف أجرها بالتربية، وقال الترمذي: قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة: نؤمن بهذه الأحاديث، ولا نتوهم فيها تشبيهًا، ولا نقول: كيف؟ انتهى ما نقله الشيخ شعيب الأرنؤوط.
* قلت:
وكلام الترمذي ﵀ فيه إثبات صفات الله التي وصفَ بها نفسه أو وصفه بها نبيه ﷺ من غير أن يشبَّه الله فيها بأحد من خلقه، وتنزيهه عما لا يليق به تعالى من غير تعطيل، وكلام الترمذي ذلك هو في "جامعه" وله تتمة وسأنقله بتمامه بعد قليل -إن شاء الله تعالى-.
أما ما نقله الشيخ شعيب الأرنؤوط عن الحافظ ابن حجر عن المازري فلا يتفق مع ما قرره السلف، فإنَّ النبي ﷺ خاطبهم بلسانٍ عربي مبين، ودلَّ بوضوح كما
1 / 20
دلَّت نصوص أخرى على إثبات صفة اليد لله تعالى.
وسياق الحديث دلَّ -أيضًا- على أن الله تعالى يقبل تلك الصدقة قبولًا حسنًا، ويجزل العطاء لصاحبها ويضاعف مثوبته، كما قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ الآية [سورة البقرة، الآية: ٢٤٥].
ولسماحة الشيخ العلاَّمة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -حفظه الله ونفع به- حاشية نفيسة عَقَّب بها على ما نقله الحافظ ابن حجر ﵀ في "فتح الباري" من نقولات في معنى "فإن الله يقبلها بيمينه" بأن ذلك كناية عن الرضى والقبول أو سرعة القبول، وليس المراد بقوله: "بيمينه" الجارحة، قال الشيخ ابن باز معقبًا على ذلك:
"هذه التأويلات ليس لها وجه، والصواب إجراء الحديث على ظاهره، وليس في ذلك -بحمد الله- محذورٌ عند أهل السنة والجماعة، لأن عقيدتهم الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة من أسماء الله -سبحانه- وصفاته وإثبات ذلك على وجه الكمال، مع تنزيهه -تعالى- عن مشابهة المخلوقات، وهذا هو الحق الذي لا يجوز العدول عنه، وفي هذا الحديث دلالة على إثبات اليمين لله ﷾
1 / 21
وعلى أنه يقبل الصدقة من الكسب الطيب ويضاعفها، وانظر ما يأتي من كلام الإِمام الترمذي يتضح لك ما ذكرته آنفًا، والله الموفق". ا. هـ (١).
وكلام الترمذي الذي يقصده الشيخ ذكره الحافظ ابن حجر ﵀ في شرح الحديث المذكور ولكن باختصار، ونقله الشيخ شعيب الأرنؤوط على اختصاره، ويا ليته اقتصر على ذلك فإنه وافٍ بالمقصود، وأنا أنقله لك هنا بتمامة كما ذكره الترمذي ﵀ في جامعه كاملًا.
قال ﵀ معقبًا على الحديث المذكور آنفًا:
"وقد قال غير واحدٍ من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب ﵎ كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ويُؤْمَنُ بها، ولا يُتَوَهَّمُ ولا يُقَال: كيف، هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أَمِرُّوها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا:
_________
(١) حاشية "فتح الباري" (٣/ ٢٨٠) ط السلفية الأولى.
1 / 22