392

إذا استقل لبنان عن الداخلية تنقطع عنه أهم لوازم العيش، باب الحنطة وهو في حوران يقفل دون حاجته وطرق النقل وأهمها في يد السوريين تمنع عنه، أو يميز في أجورها عليه. (4)

أكثر من نصف تجارة بيروت هي مع تجار المدن في الداخلية فإذا استقل لبنان خسرت بيروت أهم موارد تجارتها، وقد بدأ البيروتيون يشعرون بذلك ويتألمون. (5)

إن فصل لبنان عن الداخلية خطأ جغرافي وقسمة غير طبيعية؛ لأن في يد لبنان أبواب البحر ولا حاجة له بها كلها، وفي يد دمشق وسائل النقل ولا سبيل لاستخدامها كلها لتنتفع بها البلاد السورية قاطبة. (6)

حياة البلاد الاقتصادية تضطرب، وحياتها الصناعية وهي في حاجة إلى حرير لبنان تختنق تدريجا، وحياتها المالية تمسي في قبضة سماسرة «القطع» والمتاجرين بالصكوك والأوراق. (7)

البريد والتلغراف وسكك الحديد وهي في أيدي الضغائن والمنافسة تكون معرضة أبدا للخلل والتخريب ؛ إذ يتجاذب طرفيها شعبان نافران بعضهما من بعض، قائمان بعضهما على بعض. (8)

بدلا أن يكون في البلاد جمرك واحد تتعدد الجمارك ومزعجاتها وأضرارها في كل المدن الكائنة على حدود اصطناعية، فتجهز على الصناعة والتجارة، وتكره إلى الناس - وعلى الأخص المصطافين في لبنان والسائحين - السفر في سوريا. (9)

بدل جند واحد يناسب عدد سكان البلاد تضطر البلادان إلى تجنيد جندين على نسبة جائرة لا تطاق لتحمي تخومها من تعديات جارتها، ويكون لبنان من هذا القبيل مظلوما جدا؛ لأن اللبنانيين - وهم الأقلية - يمسون في خطر دائم من هول عصابات الجهل والتعصب. (10)

لا يستطيع لبنان وحده أن يقوم بنفقات حكومته المدنية، فكيف يقوم بنفقات جند كبير؟ إن العجز في ميزانيته أمر معلوم، خذ لك مثلا، قد بلغت ميزانية الجبل سنة 1909 تسعة وخمسين ألف ليرة، فلو فرضنا أن لبنان استعاد الأراضي المسلوخة عنه - لو فرضنا لبنانا كبيرا - فلا أظن الميزانية تبلغ أكثر من مائة ألف ليرة، أضف إليها دخل الجمرك الذي لا يبلغ أكثر من مائة ألف ليرة سنويا، ثم دخل البريد والتلغراف والملاحات - قل مائة ألف ليرة أخرى - فتبلغ ميزانية الجبل ثلاثمائة ألف ليرة، فإذا كان مستقلا يقتضي له جند لا يقل عن العشرة آلاف عدا، ونفقاته دون المعدات، إذا فرضنا ثلاث ليرات راتب الجندي شهرا تبلغ ثلاثمائة ألف ليرة، فمن أين نجيء بعد ذلك بما يلزم لدفع رواتب المأمورين والمشارفين على المأمورين فضلا عن نفقات الشرطة والمدارس والمشاريع العمومية لترقية الصناعة والزراعة في البلاد؟ (11)

إن خيرات لبنان الدفينة لا تستثمر بغير المال والعمال والأخصائيين، فإذا كان دائما مهددا بالعصابات، ولا أحد فيه يأمن على ماله وحياته، وكانت أحواله وجيرانه كأحوال الجمهوريات الصغيرة في أميركا الجنوبية، أي: دائما في احتراب، فالعمال يهجرونه، والمتمولون لا يبذلون مالا فيه، والأخصائيون لا يفادون بعلمهم ووقتهم إكراما لأجدادنا الذين حاربوا مع الصليبيين. (12)

المشارفة الإفرنسية على لبنان مستقل عن الداخلية تتدرج إلى احتلال دائم، والاحتلال الدائم يقتل روح القومية، فيمسي لبنان كتونس أو الجزائر، ويفقد اللبنانيون روحهم القومية، وآدابهم العربية، وتقاليدهم الوطنية والاجتماعية. (13)

نامعلوم صفحہ