قال أحمد: ما أحسن ما قاله الفيلسوف وأبين صواب قوله! لأنه يأمرك أن تجعل هذه الأشكال، يعنى به أشكال إقليدس، مثالا، فتنظر إلى ما يرد المثلث إذا أنت رددته إلى الطبيعة، لأنه إذا كان كذلك فأنت ترده إلى ما تزاد فيه الأقطار. وإذا أرددته إلى البسيط نقصت من أقطاره حتى يتشابه. فيريد الفيلسوف أن تدبر الشىء حتى يرد الكثيف إلى ما هو ألطف منه فلا يزال يزاد تدبيرا حتى يرتفع من حد الكثيف المطبوع إلى البسيط. وإنما قوله: «المراقى» فإنه يعلم أنه لا يمكن فى الشىء أن يرد بسيطا فى تدبير واحد، بل يدبر أبدا حتى يستحيل إلى ما هو ألطف منه. فشبه الفيلسوف هذا التدبير بالمراقى.
قال أفلاطون: وأنت مستغن بالنظر فى كتابى عن المعتاص.
قال أحمد: ما أكثر شفقة الفيلسوف على طالبى الحكمة! لأنه يقول فى هذا الفصل إنك تستغنى بالنظر فى كتابه — يعنى به الثالث والرابع الذى قد بين فيه التحليلات والتفريقات — عن الاستدلال بما يعتاص عليك، يعنى به: ما قد أخبر أنه يمكن أن يستدل من أشكال إقليدس.
قال أفلاطون: وإنما يخبر بالمعتاص لا لإدراك الشىء، بل لإخراج لطيف من العلم يكون به مسلك إلى الحق — إلى أن قال: أو الشواهد.
قال أحمد: يقول إنه ليس يخرج هذه الآراء العقلية لإدراك هذه الصنعة، بل ليظهر لطيفا من العلم يكون هو المنبئ عن علل الأشياء ويرشد إلى ما فيه الخروج من حد البهيمية. وقوله: «للشواهد» — يقول: إذا بينته ببعض الأشياء العقلية تكون شاهدة بصحة ما ذكره قبل الامتحان.
قال أفلاطون: ونرجع فى هذا الوقت إلى ما هو أولى بجنس هذا الكتاب المقصود فيه — إلى أن قال: وأقصد فى أول العمل إلى الجاسى لأن تدبيرك كذلك.
قال أحمد: لما تجاوز إلى الاستدلال بالأشياء العقلية والوهمية كان ذلك مرتفعا عن حد هذه الصنعة. فنقول: إنى أرجع فى الكلام إلى ما يستحق جنس الصنعة. وقوله: «وأقصد فى أول العمل إلى الجاسى فإن تدبيرك أيضا كذلك» — يعنى أن تدبيرك لا يكون له عهد بالعمل فلا يبلغ أن تدبر الشىء المحتاج إلى التدبير اللطيف.
صفحہ 130