قال أحمد: إن من أعظم الدليل أن الشىء الذى قد خلا مما كان فيه أنه إذا عولج بالعلاج الذى كان يستخرج به ما كان فيه لم يخرج منه. وأيضا فإن الشىء اللطيف المساوى إذا كان مخالطا للجاسى أحدث فيه وميضا وبهاء وحسنا. وإذا فارقه عدم كل ذلك فيه إذ كان من أجله كان؛ وأنا أرى رأيا فى هذا النوع من العمل ليس هو من آراء الفيلسوف، وهو أن كل شىء ضعفت الحرارة والرطوبة عن استخراجه فى زمان ما، فإن الحرارة واليبس تخرجه أو بعضه فى القليل من الزمان لأنه قد أتى عليه التدبير المحلل الملطف فصيره موافقا له فى اللطف. فإذا ألقى الركن الحاد السريع، الذى هو النار، أظهر ما كان فيه وأحدث فيه تفريقا؛ فيجب على العامل أن يلقى القليل من هذا الجسد على النار، فإن دخن أو رأى فيه أنه يفارقه شىء من الأشياء، رده إلى التدبير وصير عليه حتى يبلغ مبلغا يصلح معه العمل.
قال أفلاطون: وإنما وضعنا ذلك فى الحول، وأوفينا الأزمنة الأعمال لتتسع فى الوقت.
قال أحمد: لعلك ذاكر ما أمرك به ومثله لك فيما سلف من القول: أن يكون تدبيرك للحل فى الزمان الموافق له. وكذلك التفريق والتكليس وغير ذلك من أنواع العمل. فنفس لك فى الأجل، ووسع عليك فى الوقت ليكون تدبيرك برفق.
قال أفلاطون: ويجب أن تحتال فى هذه الأجزاء حتى تكون مقاومة للأركان.
قال أحمد: إن هذه الأجزاء المفرقة تحتاج فى تدبيرها إلى المعالجة بالأركان، وخاصة النار. فإذا لم تكن مقاومة، فارقت وبطلت. فيأمرنا الشيخ أن نحتال فى ذلك.
قال أفلاطون: وإنما لا يقاوم الشىء الشىء لتفاوت أو شكل.
قال أحمد: كل شىء لا يقاوم النار فإنما يكون لعلة شيئين: أحدهما أن يكون ضعيفا متفاوتا مختلف الذات فيسرع إليه الفساد؛ والثانى أن يكون مشاكلا للنار فتسرع فيه. فالواجب أن يعرى العمل من هذين الجنسين.
قال أفلاطون: وأشد ما أخاف على السائل — إلى أن قال: فهو دسم.
قال أحمد: يعنى بالسائل النفس. وفى الرطوبة التى فى النفس دهنية يسرع معها فى النفس النار، وهى شىء قد أعيا الأوائل فيه التدبير، لأن هذه الدهينة عسر استخراجها. فأصغ لما يأتى من قول الفيلسوف بعد هذا فإنه يدلك على الحيلة فيه.
قال أفلاطون: فدبر الثانى مرارا كتدبير الأول حتى يتم التدبير.
قال أحمد: يريد بالأول وضع العمل فى القرعة والتفريق؛ ويريد بالثانى أن يدبر النفس والروح كل واحد على حدة كتدبير العمل الأول مرارا حتى يبلغ التدبير فى التفريق نهايته، لأن النفس إذ دبرتها كتدبير الأول لا يخلو من أن يبقى فى موضع الجسد بعض، ويصعد منه ما يوافق الروح أيضا.
صفحہ 226