رسائل الجاحظ
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
اصناف
هو خوف من كان هؤلاء الإخوة يمرون به من القبائل والأعداء وهم مغتربون ومعهم الأموال، وهذا هو ما فسرنا به الإيلاف آنفا. وقد فسره قوم بغير ذلك، قالوا: إن هاشما جعل على رؤساء القبائل ضرائب يؤدونها إليه ليحمي بها أهل مكة؛ فإن ذؤبان العرب وصعاليك الأحياء وأصحاب الغارات وطلاب الطوائل كانوا لا يؤمنون على الحرم، لا سيما وناس من العرب كانوا لا يرون للحرم حرمة ولا للشهر الحرام قدرا، مثل طيء وخثعم وقضاعة وبعض بلحرث بن كعب. وكيفما كان الإيلاف فإن هاشما كان القائم به دون غيره من إخوته.
قال أبو عثمان: ثم حلف الفضول وجلالته وعظمته، وهو أشرف حلف كان في العرب كلها وأكرم عقد عقدته قريش في قديمها وحديثها قبل الإسلام. لم يكن لبني عبد شمس فيه نصيب. قال النبي
صلى الله عليه وسلم
وهو يذكر حلف الفضول: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت.» ويكفي في جلالته وشرفه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
شهده وهو غلام. وكان عتبة بن ربيعة يقول: لو أن رجلا خرج مما عليه قومه لدخلت في حلف الفضول لما أرى من كماله وشرفه ولما أعلم من قدره وفضيلته. قال: ولفضل ذلك الحلف وفضيلة أهله سمي «حلف الفضول»، وسميت تلك القبائل «الفضول». فكان هذا الحلف في بني هاشم وبني المطلب وبني أسد بن عبد العزى وبني زهرة وبني تيم بن مرة، تعاقدوا في دار ابن جدعان في شهر حرام قياما يتماسحون بأكفهم صعدا: ليكونن مع المظلوم حتى يؤدوا إليه حقه ما بل بحر صوفة، وفي التآسي في المعاش، والتساهم بالمال. وكانت النباهة في هذا الحلف للزبير بن عبد المطلب ولعبد الله بن جدعان. أما ابن جدعان فلأن الحلف عقد في داره، وأما الزبير فلأنه هو الذي نهض فيه ودعا إليه وحث عليه، وهو الذي سماه «حلف الفضول»؛ وذلك لأنه لما سمع الزبيدي المظلوم ثمن سلعته قد أوفى على أبي قبيس قبل طلوع الشمس رافعا عقيرته، وقريش في أنديتها، قائلا:
يا للرجال لمظلوم بضاعته
ببطن مكة نائي الحي والنفر
إن الحرام لمن تمت حرامته
ولا حرام لثوبى لابس الغدر
نامعلوم صفحہ