رسائل الجاحظ
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
اصناف
قالوا: وأما ما ذكرتم من نساك الملوك، فلنا علي بن أبي طالب وبزهده وبدينه يضرب المثل. وإن عددتم النساك من غير الملوك، فأين أنتم عن علي بن الحسين زين العابدين الذي كان يقال له: علي الخير وعلي الأغر وعلي العابد، وما أقسم على الله بشيء إلا وأبر قسمه؟ وأين أنتم عن علي بن عبد الله بن العباس؟ وأين أنتم عن موسى بن جعفر بن محمد؟ وأين أنتم عن علي بن محمد الرضا لابس الصوف طول عمره مع سعة أمواله وكثرة ضياعه وغلاته؟
وأما ما ذكرتم من الفتوح، فلنا الفتوح المعتصمية التي سارت بها الركبان وضربت بها الأمثال، ولنا فتوح الرشيد، ولنا الآثار الشريفة في قتل بابك الخرمي بعد أن دامت فتنته في دار الإسلام نحو ثلاثين سنة.
فأما الفقه والعلم والتفسير والتأويل، فإذا ذكرتموه لم يكن لكم فيه أحد وكان لنا فيه مثل علي بن أبي طالب، وعبد الله بن العباس، وزيد ومحمد ابني علي بن الحسين بن علي، وجعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، ويقال إن أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب؛ ولذلك نسب سفيان إلى أنه زيدي المذهب وكذلك أبو حنيفة. ومن مثل علي بن الحسين زين العابدين، وقال الشافعي في الرسالة في إثبات خبر الواحد: وجدت علي بن الحسين - وهو أفقه أهل المدينة - يعول على أخبار الآحاد. ومن مثل محمد بن الحنفية وابنه أبي هاشم الذي قرر علوم التوحيد والعدل حتى قالت المعتزلة: غلبنا الناس كلهم بأبي هاشم الأول!
وإن ذكرتم النجدة والبسالة والشجاعة، فمن مثل علي بن أبي طالب وقد وقع اتفاق أوليائه وأعدائه على أنه أشجع البشر؟ ومن مثل حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله؟ ومن مثل الحسين بن علي! قالوا يوم الطف: ما رأينا مكثورا قد أفرد من إخوته وأهله وأنصاره أشجع منه، كان كالليث المحرب يحطم الفرسان حطما، وما ظنك برجل أبت نفسه الدنية وأن يعطي بيده، فقاتل حتى قتل هو وبنوه وإخوته وبنو عمه بعد بذل الأمان لهم والتوثقة بالأيمان المغلظة، وهو الذي سن للعرب الإباء واقتدى بعده أبناء الزبير وبنو المهلب وغيرهم. ومن لكم مثل محمد وإبراهيم ابني عبد الله؟ ومن لكم مثل زيد بن علي، وقد علمتم كلمته التي قالها حيث خرج من عند هشام: ما أحب الحياة إلا من ذل. فلما بلغت هشاما قال: خارج ورب الكعبة. فخرج بالسيف ونهى عن المنكر ودعا إلى إقامة شعائر الله حتى قتل صابرا محتسبا. وقد بلغتكم شجاعة أبي إسحاق المعتصم ووقوفه في مشاهد الحروب بنفسه حتى فتح الفتوح الجليلة، وبلغتكم شجاعة عبد الله بن علي وهو الذي أزال ملك بني مروان وشهد الحروب بنفسه، وكذلك صالح بن علي وهو الذي تبع مروان بن محمد إلى مصر حتى قتله.
قالوا: وإن كان الفضل والفخر في تواضع الشريف وإنصاف السيد وسجاحة الخلق ولين الجانب للعشيرة والموالي، فليس لأحد من ذلك ما لبني العباس. ولقد سألنا طارق بن المبارك - وهو مولى لبني أمية وصنيعة من صنائعهم - فقلنا: أي القبيلين أشد نخوة وأعظم كبرياء وجبرية! أبنو مروان أم بنو العباس؟ فقال: والله لبنو المروان في غير دولتهم أعظم كبرياء من بني العباس في دولتهم. وقد كان أدرك الدولتين. ولذلك قال شاعرهم:
إذا تائه من عبد شمس رأيته
يتيه فرشحه لكل عظيم
وإن تاه تياه سواهم فإنما
يتيه لنوك أو يتيه للوم
ومن كلامهم: من لم يكن من بني أمية تياها فهو دعي.
نامعلوم صفحہ