رسائل الاحزان
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
اصناف
1
لكثرة ما يسرفان عليها كما يريد الأطفال أن يملأوا القدح ليستفيض لا ليمتلئ، وليرسل الماء لا ليمسكه؛ فلو أنهم صبوا فيه ملء بحر بأمواجه لجرى البحر من حافة قدح صغير.
ما أحسبني قط رأيت امرأة جميلة كما هي في نفسها وتركتها كما هي في نفسها، بل هناك نفسي، وآه من نفسي، وما أسرع ما يمتزج في هذه النفس بعض الإنسانية المحبة ببعض الإنسانية المحبوبة فإذا أنا بشيء إلهي قد خرج لي من الإنسانيتين، هو هذا الشعر؛ هو هذا البلاء؛ هو هذا الحب.
فررت منك ومن سواك يا عزيزي مصيف
2
إلى امرأة كالتي جعلت آدم يفر حتى من الجنة ومن الملائكة؛ وقد يكون اتصال رجل واحد بامرأة واحدة كافيا أحيانا لتكوين عالم كامل يسبح في فلك وحده، عالم مسحور، في فلك مسحور، لا يخضع إلا لجاذبية السحر، ولا يعرف إلا تهاويل السحر.
على أنك لم تفقد مني في هذه السنة إلا بضعة كتب وكلاما كنا نترسل به وليس فيه إلا الحبر؛ فسأرد عليك من ذلك كتب سنوات وأعوضك برسائلي كلاما فيه دمع العين ودم القلب، فقدتني صديقا يهز يديك بتحيته والآن أعود إليك شاعرا يهز قلبك بأنينه، فقدتني شخصا وسأرجع إليك كتابا.
أما أنت فاكتب لي رجع كل رسالة تأتيك من قبلي واذكر لي موقعها من نفسك، وكيف كان دبيبها أو طيرانها عندك؛ فإني راميك بأسهم لا قاصرات عن قلبك تنزل دونه ولا زائدات تمر عليه وتتجاوز، بل مسددات يقعن فيه.
وأرجو عافاك الله أن لا تتطلع في قلمي بنقد أو اعتراض أو تعقيب، بل دعني وما أكتبه كما أكتبه؛ فإن لكل شيء طرفين، وأن طرفي الجمال هما الحب والبغض؛ ورسائلي هذه ستأتيك بالجمال من طرفيه فلقد والله أحببت حتى أبغضت، ولقد والله يضجر العمل السامي إذا أصاب غير موضعه كما يضجر العمل السافل إذا نزل في موضعه.
ومتى انقطع هذا المدد المتلاحق من كتبي فاجمع الرسائل وقدم لها كلمة بقلمك، ثم اطبعها وسمها «رسائل الأحزان»؛ إنها كانت عواطف ثارت وقتا ما ليحدث منها تاريخ وسكنت بعد ذلك ليحدث منها شعر وكتابة.
نامعلوم صفحہ