جمع من الغد الزنوج للعطاء وقتلهم عن آخرهم، ثم أمر أن لا يترك في الموصل ديك إلا ذبح ولا كلب إلا عقر، فنفذ ذلك فكانت هذه فعلة لم يسمع بأقبح منها إلا ما كان من السفاح فإن زوجته أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية قالت له: يا أمير المؤمنين لأى شىء استعرض ابن أخيك أهل الموصل بالسيف، فقال لها: وحياتك لا ما أدرى ولم يكن عنده من إنكار هذا الأمر القطب سوى هذا، ولعمرى لقد فاق فرعون في فساده، وأربى عليه في عتوه وعناده، وابن السفاح بما فعله ابن أخيه قد صار يسوء أمة محمد ﷺ من العذاب أشد وأقبح ما كان فرعون يسوء بنى إسرائيل به، فكيف بها إذا ضمت مع ما حكاه البلاذرى «١»، قال:
كان أبو العباس السفاح يسمع الغناء، فإذا قال للمغنى: أحسنت، لم ينصرف من عنده إلا بجائزة وكسوة، فقيل له: إن الخلافة جليلة، فلو حجبت عنك من يشاهدك على النبيذ فاحتجبت عنهم، وكانت صلاته قائمة لهم. فأين هذا من الهدى النبوى وسير أئمة الهدى، فما أبعده عن هداهم، ولله درّ القائل:
نزلوا بمكة في قبائل نوفل ... ونزلت بالبيداء «٢» أبعد منزل
وأما أبو جعفر: عبد الله محمد المنصور «٣» فإنه تزيا بنى الأكاسرة، وجعل أبناء فارس رجالا دولتهم كبنى يرمك، وبنى نوبخت «٤» وأحدث تقبيل الأرض، وتحجب عن الرعية وترفع عليهم بحيث إن عقال بن شيبة قال له: احمد الله، فقد حزت هدى الخلفاء. فغضب المنصور، وقال: كبرت يا عقال وكبر كلامك. ففطن وقال: أجل، لقد أحزن سهلى واضطرب نقلى، وأنكرت أهلى، ولا أقوم هذا المقام بعد يومى.
فلم يعش المنصور بعد ذلك إلا شهرين وأياما، وحتى أن الربيع حاجبه ضرب
1 / 69