جهمان «١»، قلت لسفينة «٢»: إن بنى أمية يزعمون أن الخلافة فيهم فقال: كذب بنو الزرقاء، بل هم ملوك من أشر ملوك، وأول الملوك: معاوية «٣» .
فصل: وما زلت طوال الأعوام الكثيرة أعمل فكرى في هذا وأشباهه على مدة يطول ذكرها، وأذاكر به من أدركت من مشيخة العلم، ومن لقيت من حملة الآثار ونقلة الأخبار، فلا أجد في عمرى سوى رجلين: إما رجل عراه ما عرانى، وساءه ما قد دهانى، فهو يحذو في المقال حذوى ويشكو من الألم شكوى، وإما رجل يرتع في ميدان تقليده ويجول في عرصات تهوره وتفنيده فلا يزيدنى على التهويل والهدر التطويل إلى أن اتضح لى والحمد لله وحده سبب أخذ بنى أمية الخلافة ومنعها بنى هشام؛ وذلك أن أعجب الأمور لا تزال أبدا تالية بصدورها، والأسافل من كل شىء تابعة لأعاليها، وكل أمر كان خافيا إذا انكشف سببه زال التعجب منه، وما بعد على من بعد سبب.
أخذ بنو أمية الخلافة وتقدمهم فيها على بنى هاشم إلا من أجل الإعراض عن الاعتناء بتعرف أوائل ذلك، وقلة البحث عن غوامضه، وأن الشىء لم يوضع في موضعه، وإنما سلك فيه الكافة إلا قليلا مذهب التعصب، والواجب على العاقل بعد معرفة ما خفى عن السبب الإذعان والتسليم وترك الاعتراض.
فماذا بعد الحق إلا الضلال، وذلك أنه لا خلاف بين أئمة الحديث ونقّاد الأخبار وعلماء السير والآثار، أن رسول الله ﷺ توفى وعامله على مكة أبو عبد الرحمن عتاب بن أسيد «٤» بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشى الأموى، أحد من أسلم يوم فتح مكة، وأنه لم يزل على مكة منذ فتحها الله على رسوله ﷺ
1 / 45