فقال رسول الله ﷺ: أنا وهم لم نزل في الجاهلية شيئا واحدا وكانوا معنا في الشّعب. كذا وشبّك أصابعه «١» .
وكان من حديث الشّعب على ما ذكر محمد بن إسحاق «٢» وموسى بن عقبة «٣» فذكر ابن إسحاق أن النبى ﷺ لما قضى على الذى بعث به وقامت بنو هاشم وبنو المطلب دونه وأبوا أن يسلموه، فهم من خلافه على مثل ما قومهم عليه، إلا أنهم اتقوا أن يشتدوا ويسلموا أخاهم لمن فارقه من قومه فلما فعل ذلك بنو هاشم وبنو المطلب، وعرفت قريش أن لا سبيل إلى محمد ﷺ معهم، أجمعوا على أن يكتبوا فيما بينهم على بنى هاشم وبنى المطلب أن لا ينكحوهم ولا ينكحوا إليهم، ولا يبايعوهم ولا يبتاعوا منهم، وكتبوا صحيفة في ذلك وعلقوها بالكعبة ثم عدوا على من أسلم فأوثقوهم وآذوهم واشتد البلاء عليهم، وعظمت الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدا.
قال ابن عقبة: واجتمعت قريش ومكرها أن يقتلوا رسول الله ﷺ علانية، فلما رأى أبو طالب عمل القوم جمع بنى عبد المطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول الله ﷺ شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله، واجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعله إيمانا ويقينا، فلما عرفت قريش أن القوم منعوا رسول الله ﷺ اجتمع المشركون مع قريش، واجتمع رأيهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله ﷺ للقتل، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق لا يقبلون من بنى هاشم أبدا صلحا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل، فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين واشتد عليهم البلاء والجهد وقطعوا عنهم الأسواق فلا يتركون طعاما يقدم مكة إلا بادروهم إليه فاشتروه يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله ﷺ. وذكر ابن إسحاق القصة في دخولهم الشعب وما بلغوا من الجهد الشديد حتى كان يسمع أصوات صبيانهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع، حتى كره عامة قريش ما أصابهم وأظهروا كراهتهم لصحيفتهم المظلّة.
1 / 40