قام ذلك المقام، وبتأسيسهم وتقديمهم نال تلك الرئاسة، ولولا العادة المتقدمة والأجناد المجندة، والصفائح «١» القائمة لكان أبعد خلق الله من ذلك المقام، فالمستضعف عنده، عثمان بن عفان رضى الله عنه، والمداهن عنده معاوية رضى الله عنه، والمأفون عنده يزيد بن معاوية، والضعيف لا يكون خليفة؛ لأنه الذى ينال القوى منه عند انتشار الأمر عليه، والمداهن لا يكون إماما ولا يوثق منه بعقد ولا بوفاء عهد، ولا بضمير صحيح ولا بعيب كريم، والمأفون لا يكون إماما وهذا الكلام «٢» نقض لسلطانه، وعداوة لأهله، وإفساد لقلوب شيعته، وقرة عين عدّوه، وعجز في رأيه، فإنه لم يقدر على إظهار قوته إلا بأن يظهر عجز أئمته، وقد كانت المنافرة لا تزال بين بنى هاشم وبنى عبد شمس، بحيث إنه يقال: إن هاشما وعبد شمس ولدا توأمين، خرج عبد شمس في الولادة قبل هاشم وقد لصقت إصبع أحدهما بجبهة الآخر، فلما نزعت دمى المكان، فقيل: سيكون بينهما وولديهما دم فكان كذلك.
وقيل: إن عبد شمس وهاشما كانا يوم ولدا ... «٣» وكانت جباههما ملصقة بعضها ببعض فأخذ السيف ففرّق بين جباههما بالسيف، فقال بعض العرب: ألا فرّق ذلك بالدرهم، فإنه لا يزال السيف بينهم في أولادهم إلى الأبد فكانت المنافرة بين هاشم بن عبد مناف وأخيه، وإن هاشما كانت إليه الرفادة «٤» التى سنّها جده قصى «٥» بن كلاب بن مرة مع السقاية «٦»؛ وذلك أن أخاه عبد شمس كان يسافر وقلّ ما يقيم بمكة، وكان رجلا مقلا وله ولد كثير، فاصطلحت قريش على أن ولىّ هاشم
1 / 24