156

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

اصناف

(25) فصل في أنها ليست ثقيلة ولا خفيفة

واعلم يا أخي أنما قيل إن الأجسام الفلكية ليست خفيفة ولا ثقيلة؛ لأنها ملازمة لأماكنها الخاصة بها، وذلك أن الباري - عز وجل - لما خلق الجسم المطلق وفصل أبعاضه بالصور المتممة، ورتبها محيطات بعضها ببعض كما بينا أولا، جعل لكل واحد منها مكانا هو أليق الأماكن به، وكل جسم في مكانه الخاص ليس بثقيل ولا خفيف؛ لأن الثقل والخفة يعرضان لبعض الأجسام بسبب خروجها من أماكنها الخاصة بها إلى مكان غريب.

واعلم يا أخي أن الأرض في مكانها، وهو مركز العالم ليست بثقيلة، ولا الماء فوقها بثقيل، ولا الهواء أيضا ثقيل فوق الماء، ولا النار فوق الهواء أيضا بثقيلة؛ لأنها في أماكنها الخاصة بها، وإنما يعرض الثقل والخفة لأجزائها إذا صارت في أماكن غريبة؛ وذلك أن أجزاء الأرض في جوف الماء والهواء غريبة، تريد اللحاق بمركزها وجنسها، فإذا منعها مانع وقع التنازع والتدافع، فيسمى ذلك ثقلا، وهكذا حكم الماء وأجزائه في جوف الهواء، وحكم أجزاء الهواء في الماء، وأجزاء النار في جوف الهواء، وكل واحد يريد اللحاق بعالمه ومركزه وأبناء جنسه، ولكن ما كان متوجها نحو مركز العالم يسمى ثقيلا، وما كان متوجها نحو المحيط يسمى خفيفا، والدليل على أن كل جسم في موضعه ومكانه الخاص به لا خفيف ولا ثقيل هو كون أجزائه في جوف كليته لا ثقيلة ولا خفيفة، وبيان ذلك بالتجربة والاعتبار، وطريق تجربته أن تملأ قربتين، إحداهما من الماء والأخرى من الريح الذي هو الهواء، ثم تطرحهما في بركة ماء، فإنك ترى القربة التي هي مملوءة من الماء تغوص في جوف الماء، والتي فيها الريح تطفو فوق الماء، فإذا شيلت القربة التي هي مملوءة من الماء لا يوجد لها ثقل ما دامت في الماء؛ لأن الماء في الماء ليس بثقيل، وإذا صارت إلى فوق الماء أحس بثقلها، وأما القربة التي هي مملوءة من الهواء، فإنها إذا غوصت في الماء وجد لها تمانع شديد؛ لأن الهواء في جوف الماء خفيف، فإذا شيلت إلى الهواء لا يوجد ذلك التمانع؛ لأن الهواء في الهواء ليس بخفيف.

واعلم أنه إذا أخذ من بركة ملئت ماء قدر من الماء، ثم رد إليها وقف ذلك الماء المردود حيث رد، كما أن التراب إذا أخذ من الأرض ثم رد إليها وقف حيث رد، وكذلك إذا استنشق الحيوان من الهواء ما يروح الحرارة الغريزية ثم رده بالتنفس وقف ذلك الهواء المردود حيث رد، إن لم يعرض له دافع.

(26) فصل في أن الأجسام الفلكية ليست بحارة ولا باردة ولا رطبة

واعلم يا أخي بأنه إنما قيل إنها ليست بحارة ولا باردة ولا رطبة من أجل أن الحرارة إنما تعرض للأجسام السيالة المتحللة عند الحركة؛ لأن أجزاءها تفارق مجاوراتها بعضها بعضا وتتبدل بالغليان الذي هو الحرارة، ولما كانت الأجسام الفلكية متماسكة الأجزاء من شدة اليبس لم تفارق مجاورة أجزائها بعضها بعضا، فلا يعرض لها الغليان الذي هو الحرارة، وأما البرودة فإنها تعرض للأجسام عند سكونها، والأجسام الفلكية دائمة الحركات والدوران فلا تسكن فتبرد، وأما الرطوبة فإنها تعرض للأجسام إذا تحرك بعض أجزائها وسكن البعض، وليس للأجسام الفلكية سكون.

واعلم أنه إنما صارت الأجسام الفلكية شديدة التماسك من شدة اليبس، وشدة اليبس من شدة الحركة والدوران؛ لأن الحركة تولد الحرارة، والحرارة تولد اليبوسة، واليبوسة إذا تناهت انطفأت الحرارة.

واعلم يا أخي أن الأجسام الفلكية محفوظة نظامها وباقية أشخاصها ما دامت ثابتة على دورانها، فإذا وقفت عن دورانها وسكنت حركاتها ولد السكون البرودة، وولدت الرطوبة التفشي والتبدد، والتفشي والتبدد يفسدان النظام، ومن فساد النظام يكون البوار والبطلان.

(27) فصل في معنى القيامة

إنما يدوم دوران الفلك مادامت النفس الكلية مربوطة معه، فإذا فارقته قامت القيامة الكبرى؛ لأن معنى القيامة مشتق من القيام، فإذا فارقت النفس قامت قيامتها، قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله: «من مات فقد قامت قيامته.» وإنما أراد قيام النفس لا الجسد؛ لأن الجسد لا يقوم عند الموت بل يقع وقوعا لا يقوم بعده إلى أن ترد النفس إليه ثانية، فانتبه يا أخي من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، وتزود للرحلة، واستعد للقيامة قبل أن تقوم قيامتك، بأن يؤخذ منك هذا الهيكل المبني مملوءا من آثار الحكمة قهرا وأنت كاره، فتبقى نفسك بلا سمع ولا بصر ولا شم ولا ذوق ولا لمس، فارغة خاوية تهوي في هاوية البرزخ إلى يوم القيامة، إلى يوم يبعثون، فبادر وشمر واجتهد بأن تكتسب بتوسط هذا الهيكل الجسماني هيكلا روحانيا، وبتوسط هذه الحواس الجسدانية حواس عقلية، ليكون بعد حين، فترجع نفسك من عالم الأجسام إلى عالم الأرواح بربح لا بخسران.

نامعلوم صفحہ