116

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

اصناف

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى لإخواني، قيل: يا رسول الله، أولسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وأولئك إخواني، قيل: من هم إخوانك يا رسول الله - صلى الله عليك؟ قال: قوم يكونون في آخر الزمان يؤمنون بي ولم يروني، يصدقونني ويتبعونني، هم إخواني وأنتم أصحابي طوبى لهم، وإليهم أشار بقوله في وصيته لأسامة بن زيد: عليك بطريق الجنة، وإياك أن تختلج بدونها، قال: يا رسول الله، ما أيسر ما يقطع به تلك الطريق؟ قال: الظمأ في الهواجر، وكسر النفوس عن لذة الدنيا، يا أسامة، عليك بالصوم؛ فإنه يقرب إلى الله، إنه ليس شيء أحب إلى الله من ريح فم الصائم وترك الطعام والشراب لله تعالى، فإنك إن استطعت أن يأتيك الموت وبطنك جائع وكبدك ظمآن فافعل، فإنك تدرك بذلك أشرف المنازل في الآخرة وتحل مع النبيين - عليهم السلام - وتفرح الأنبياء والملائكة بقدوم روحك عليهم، ويصلي عليك أهل الجنان.

إياك يا أسامة ودعاء كل كبد جائع قد أذابوا اللحوم، وأحرقوا الجلود في الرياح والسمائم، وأظمئوا الأكباد حتى غشيت أبصارهم، فإن الله سبحانه إذا نظر إليهم باهى كرام الملائكة بهم، بهم يصرف الله الزلازل والفتن حيث كانوا.

ثم بكى رسول الله شوقا إلى رؤيتهم حتى اشتد بكاؤه وعلا نحيبه وهاب الناس أن يتكلموا حتى ظنوا أنه أمر حدث من السماء، ثم قال: ويح لهذه الأمة ما يلقى منهم من أطاع الله فيهم، كيف يقتلونهم ويكذبونهم من أجل أنهم أطاعوا الله، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله والناس يومئذ على الإسلام؟ قال: نعم، قال: فيم يقتلون من أطاع الله؟ قال: يا عمر ترك القوم الطريق وركبوا فره الدواب، ولبسوا الحرير والديباج واللين من الثياب، وأكلوا الطيبات وشربوا بارد الشراب، وجلسوا على أرائكهم متكئين، وخدمهم أبناء فارس والروم، يتزين الرجل منهم زينة المرأة لزوجها، ويتبرج النساء بزي كسرى بن هرمز والملوك الجبابرة، ويسمنون أبدانهم، ويتباهون بالكساء واللباس، فإذا نظروا أولياء الله وعليهم العباء منحنية أصلاهم، قد ذبحوا أنفسهم من شدة العطش، وإن تكلم منهم متكلم كذب وأبعد وطرد، وقيل: قرين الشيطان ورأس ضلالة، يحرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، فأولوا كتاب الله بغير تأويله، واستذلوا أولياء الله وأخافوهم.

يا أسامة، إن أقرب الناس إلى الله يوم القيامة من طال حزنه وجوعه وعطشه في الدنيا، هم الأخيار الأبرار الذين إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، يعرفهم أهل السماء، ويخفون على أهل الأرض، تشتاق إليهم البقاع، وتحف بهم الملائكة، ينعم الناس بالدنيا، وينعمون بالجوع والعطش، لبس الناس لين الثياب، ولبسوا الخشن، افترش الناس الوطاء، وافترشوا هم الجباه والركب، ضحك الناس وبكوا هم.

يا أسامة ألا لهم الشرف الأعلى يوم القيامة، وددت أني رأيتهم، وبقاع الأرض لهم رحيبة، والجبار عنهم راض، والراغب إلى الله من رغب فيما رغبوا، والخاسر من خالفهم، تبكي الأرض إذا فقدتهم، ويسخط الجبار على بلد ليس فيه منهم أحد.

يا أسامة إذا رأيت أحدهم في قرية فاعلم أنه أمان لأهلها، لا يعذب الله قوما فيهم منهم أحد، اتخذهم يا أسامة لنفسك أصحابا، عساك تنجو معهم، وإياك أن تسلك غير طريقهم فتزل قدمك فتهوي في النار.

يا أسامة ترك القوم الحلال من الطعام والشراب، طلبوا الفضل في الآخرة، ولم يتكالبوا على الدنيا تكالب الكلاب على الجيف، أكلوا العلق ولبسوا الخلق، تراهم شعثا غبرا إذا رآهم الناس ظنوا أن بهم داء وما بهم داء، وظنوا أنهم خولطوا وما خولطوا، ولكن خالط القوم أمر عظيم، ظن الناس أن قد ذهبت عقولهم وما ذهبت، ولكن نظروا بقلوبهم إلى أمر إلهي، فهم في الدنيا عند أهلها يمشون بلا عقول.

يا أسامة عقلوا حين ذهبت عقول الناس، طوبى لهم وحسن مآب، ألا لهم الشرف الأعظم.

ويحكى عن بعضهم أنه كان يسمع في خلواته وهو يقول: يا رب ويحي، كيف أغفل ولست بمغفول عني، أم كيف يهنئني العيش، واليوم الثقيل أمامي، أم كيف لا يطول حزني، ولا أدري ما يكون من ذنبي، أم كيف أؤخر عملي، ولا أدري متى يأتي أجلي، أم كيف أسكن إلى الدنيا وليست بداري أم كيف أجمعها وفي غيرها مقامي ومأواي، أم كيف تعظم رغبتي فيها والقليل منها يكفيني، أم كيف آمن فيها وأنا لا يدوم فيها حالي، أم كيف يشتد حرصي عليها ولا ينفعني منها ما أخلفه لغيري، أم كيف أؤثرها، وقد طردت من آثرها قبلي، أم كيف لا أبادر بعملي من قبل أن يتصرم منها مدتي، أم كيف لا أعمل في فكاك نفسي، قبل أن يغلق ذهني، أم كيف يشتد عجبي بها وهي مفارقة لي ومنقطعة عني.

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: @QUR09 إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى، قال: كان فيها مكتوبا عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك، وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يعمل السيئات، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب بدنه، وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبت لمن أيقن بالجنة كيف لا يعمل الحسنات، لا إله إلا الله محمد رسول الله.

نامعلوم صفحہ