رقصة الظلال السعيدة

ریحاب صلاح الدین d. 1450 AH
97

رقصة الظلال السعيدة

رقصة الظلال السعيدة

اصناف

وحينما عثرنا عليه وجدناه أفضل مما صورت لنا توقعاتنا. هذا في الأغلب لأنه كان يحوي صفا من الشجر، بينما كانت الشوارع الأخرى التي سرنا فيها بالسيارة، بجانب سور السكك الحديدية، جرداء عديمة الظلال وقذرة. البيوت هنا من النوع المقسوم إلى قسمين، ومزودة بحاجز خشبي فاصل ذي ميل يقسم المدخل الأمامي؛ وفيها درجتان خشبيتان وفناء ترابي. والظاهر أن الآنسة مارسيللا تعيش في أحد أنصاف تلك البيوت. كلها مبنية بالقرميد الأحمر، وأبوابها ونوافذها الأمامية متناسقة الشكل، ومداخلها مطلية بألوان: القشدي والرمادي والأخضر الزيتوني والأصفر. تبدو أنيقة ومتناغمة. الجزء الأمامي للمنزل المجاور لمنزل الآنسة مارسيللا تحول إلى متجر صغير، تعلوه لافته كتب عليها «بقالة وحلويات».

الباب مفتوح، والآنسة مارسيللا محشورة بين الباب وعلاقة المعاطف والسلالم؛ لا متسع تقريبا للمرور من جانبها إلى غرفة المعيشة، وسيكون من المستحيل - في ظل الوضع الحالي - على أي شخص الخروج من غرفة المعيشة إلى الدور العلوي. كانت الآنسة مارسيللا قد وضعت مساحيق التجميل، وكان شعرها مصففا في التسريحة المعتادة لهذه المناسبة، وارتدت فستانها المقصب، الذي يصعب ألا يدوس عليه أحد بقدمه. كانت تبدو في هذا الضوء السابغ كإحدى شخصيات الحفلات التنكرية، كمحظية مهتاجة فاقعة البهرجة صنعتها مخيلة متزمتة بغيضة. لكن الاهتياج لا يتجسد إلا في زينتها المبهرجة فحسب؛ لأنك إذا أمعنت النظر في عينيها فستجدهما كما عهدتهما دائما؛ محمرتي الحواف، مرحتين، خاليتين من الهموم. قبلتنا أنا وأمي - وحيتني أنا، كالمعتاد، كما لو كنت في الخامسة من عمري - ومررنا إلى الداخل. بدا لي أن الآنسة مارسيللا تنظر إلى ما وراءنا وهي تقبلنا، متطلعة إلى الشارع تبحث بعينيها عمن لم يأتوا بعد.

في البيت غرفة طعام وغرفة معيشة، بينهما بابان من خشب البلوط مفتوحان، وهما غرفتان صغيرتان. على الحائط صورة عملاقة للملكة ماري ملكة اسكتلندا. لا توجد مدفأة، ومن ثم لا وجود للأحصنة الحديدية التي يستند إليها حطب المدفأة، لكن البيانو موجود، علاوة على باقة فاوانيا واسبيريا يعلم الرب وحده من أين قطفت. ولأن غرفة المعيشة ضيقة، فهي تبدو مزدحمة، لكن عدد من فيها لم يبلغ العشرة، بمن فيهم الأطفال. راحت أمي تتحدث إلى الموجودين وتبتسم لهم ثم جلست. قالت لي: مارج فرنش لم تأت بعد، ترى هل ضلت الطريق هي الأخرى؟

لا نعرف المرأة الجالسة إلى جانبنا. هي متوسطة العمر وترتدي فستانا من التافتا المتموج اللون عليه مشبك من حجر الراين، تفوح منه رائحة مواد التنظيف. قدمت نفسها لنا بصفتها السيدة كليج، جارة الآنسة مارسيللا في النصف الآخر من المنزل. كانت الآنسة مارسيللا قد سألتها إن كانت تحب سماع عزف الأطفال، فرأت أن هذا سيكون ممتعا، فهي مغرمة بالموسيقى على اختلاف أنواعها.

سألت أمي - التي بدت مسرورة وإن كانت منزعجة بعض الشيء - عن أخت الآنسة مارسيللا: هل هي في الطابق العلوي؟ «أوه، نعم إنها بالأعلى. المسكينة، صارت امرأة أخرى.»

قالت أمي: هذا مؤسف للغاية. «نعم، إنه لأمر مخجل. أعطيتها شيئا لتنام فترة ما بعد الظهيرة. لقد فقدت قدرتها على الكلام، كما فقدت قدرتها على التحكم بشكل عام.» كان صوت المرأة وهو يتخافت على نحو بالغ ينذر أمي بأنها ستسترسل في قول المزيد من التفاصيل الخاصة، فكررت ثانية: هذا مؤسف للغاية. «آتي هنا لأعتني بها بينما تذهب الأخرى لتعطي دروسها.» «هذا كرم منك. لا بد أنها تقدر لك هذا.» «حسنا، أشعر بنوع من الرثاء لامرأتين مسنتين مثلهما. إنهما كالأطفال، الاثنتان.»

ردت أمي بتمتمة ما دون أن تنظر للسيدة كليج، لوجهها المعافى الذي تعلوه حمرة القرميد أو للفرج الهائلة - كما أراها - الموجودة بين أسنانها. كانت تحدق إلى جانبها نحو غرفة الطعام بقدر من الوجل تحكمت به جيدا.

رأت هناك طاولة مفروشة، معدة تماما لمأدبة حفلة، لا ينقصها شيء. أطباق الشطائر مرصوصة، ربما منذ عدة ساعات؛ لأنك تستطيع أن تلاحظ أن حواف الشطائر العلوية المكشوفة للهواء قد اتخذت التواء خفيفا. الذباب يطن فوق الطاولة ويحط فوق الشطائر ويزحف دون عائق داخل أطباق الكعك المجلوب من المخبز والمغطى بطبقة من السكر. والسلطانية الزجاجية، قابعة كالعادة في وسط الطاولة، مليئة بشراب البنش البنفسجي، الواضح أنه آسن وخال من الثلج .

همست السيدة كليج: «حاولت أن أنصحها بألا تضع كل شيء على الطاولة قبل الحفلة بوقت طويل.» قالت ذلك وهي تبتسم في حبور كأنها تتحدث عن نزوات وأخطاء طفلة جامحة. وواصلت: «تعلمين، لقد استيقظت في الخامسة صباحا كي تعد الشطائر. لا أدري كيف سيكون طعمها الآن. كانت تخشى ألا يسعفها الوقت لتجهيز كل شيء، تخشى أن تنسى أي شيء. إنهما تكرهان النسيان.»

قالت أمي: «كان ينبغي ألا يترك الطعام خارجا في الطقس الحار.» «أوه، حسنا، لا أعتقد أن الطعام سيسممنا هذه المرة. كنت أفكر فقط كم من المخزي أن تقدم الشطائر يابسة. وحينما أضافت شراب الزنجبيل الغازي إلى شراب «البنش» عند الظهيرة لم يسعني أن أمنع نفسي من الضحك. يا له من تبديد!»

نامعلوم صفحہ