سمع خطواتي عند الباب، وعندما دخلت كان يلتقط سلة المهملات خاصتي، وقال إن كل ما هنالك أنه فكر في ترتيب الأشياء هنا من أجلي، ثم خرج على الفور. لم أنبس ببنت شفة، لكنني وجدت نفسي أرتجف في غضب ورضى. كان عثوري على سبب عادل أعجوبة، بل كان نجدة لا تحتمل.
في المرة التالية التي أتى فيها عند بابي كنت قد أغلقته من الداخل. عرفت وقع أقدامه، وطرقته المتزلفة الودودة. واصلت الكتابة على الآلة الكاتبة بصوت مرتفع، مع التوقف بين لحظة وأخرى، كي يعلم أنني سمعته. ناداني باسمي، كما لو كنت أمارس عليه حيلة؛ عضضت على شفتي كي لا أجيبه. لكن، كما الحال دوما، سطا علي ذلك الشعور غير العقلاني بالذنب، لكنني واصلت الكتابة. في ذلك اليوم رأيت التربة قد جفت حول جذور النبتة؛ لكني تركتها.
لم أكن مهيأة لما حدث بعد ذلك. وجدت ورقة ملصقة على بابي، مكتوبا بها أن السيد مالي سيكون ممتنا كثيرا إذا حضرت إلى مكتبه. ذهبت على الفور لأنتهي من هذه المسألة. كان جالسا إلى مكتبه محاطا بدلائل مبهمة على نفوذه؛ تطلع إلي من بعيد، كما لو أنه مضطر إلى رؤيتي في ضوء جديد غير محبب إلى حد مؤسف، وبدا أن الحرج الذي ظهر عليه ليس لنفسه، بل لي أنا. بدأ حديثه قائلا - بتردد مصطنع إلى حد ما - إنه علم بالطبع عندما أجر لي المكتب أنني كاتبة. «لم أدع هذا الأمر يقلقني. على الرغم من أنني سمعت أمورا عن الكتاب والفنانين ومثل أولئك الأشخاص لم تبد لي مبشرة كثيرا. تعلمين هذه الأشياء التي أقصدها.»
كان هذا كلاما جديدا؛ لم أستطع التفكير إلى ما سيقود إليه. «لقد جئت إلي وقلت: سيد مالي أنا أريد مكانا أكتب فيه. صدقتك، وأعطيتك إياه. لم أطرح عليك أية أسئلة؛ فهذه طبيعة شخصيتي، لكن أتدرين كلما فكرت في الأمر - حسنا - زاد ميلي للتساؤل.»
قلت: «عم التساؤل؟» «وكذلك طريقة تعاملك، التي لم تسهم في بث الطمأنينة في قلبي؛ فأن تغلقي الباب على نفسك وترفضي الرد عمن يطرق باب مكتبك ليس بسلوك طبيعي يسلكه الشخص، ذلك إذا لم يكن هناك ما يخفيه. وليس بسلوك طبيعي بالمثل لشابة - تقول إن لديها زوجا وأطفالا - أن تمضي وقتها في القرع فوق آلة كاتبة.» «لكنني لا أعتقد أن ...»
رفع يده بإشارة عفو. «كل ما أطلبه الآن أن تتحلي بالوضوح والصراحة معي - أعتقد أنني أستحق هذا القدر منك - وإذا كنت تستخدمين هذا المكتب لأية أغراض أخرى، أو في أية أوقات أخرى غير معروفة، وتستضيفين أصدقاءك أو أيا من كانوا يأتون لزيارتك ...» «لا أدري ماذا تقصد.» «ثمة أمر آخر، أنت تدعين أنك كاتبة. إنني أقرأ كثيرا، لكني لم أر اسمك منشورا قط. ربما تكتبين تحت اسم آخر؟»
قلت: «كلا.»
قال بأسلوب ودود: «حسنا، لا أشك في أن هناك كتابا لم أسمع بأسمائهم. دعينا من هذا الأمر. كل ما عليك أن تعديني به هو ألا يكون ثمة مزيد من الخداع أو الحماقات، أو ما إلى ذلك، في ذلك المكتب الذي تشغلينه ...»
تأخر غضبي بعض الشيء، أعاقه حالة عدم التصديق الحمقاء التي كنت عليها. سمعت ما يكفي لأنهض وأسير عبر الردهة، بينما صوته يلاحقني، وأغلقت الباب. فكرت أن لا بد أن أرحل. لكن بعد أن جلست في حجرتي، ورأيت عملي أمامي، فكرت مجددا كم أحببت هذه الحجرة، وكيف أديت فيها عملا جيدا، وقررت ألا يجبرني أحد على الرحيل. شعرت، رغم كل شيء، أن الصراع بيننا وصل إلى طريق مسدود. بإمكاني رفض فتح الباب، ورفض النظر في الرسائل القصيرة التي يتركها لي، ورفض التحدث معه عندما نلتقي. لقد دفعت الإيجار مقدما وإذا رحلت الآن فمن المستحيل أن أسترد أي مبلغ متبق. عزمت على عدم الاكتراث. كنت أصطحب معي مخطوطتي كل ليلة، لأمنعه من قراءتها، والآن بدا أيضا أن هذا الإجراء الاحترازي تافه. ما الضير إذا قرأ المخطوط، هل هذا يزيد أهمية عن مرور فأر فوقه في الظلام؟ •••
وجدت رسائل قصيرة منه عند بابي عدة مرات بعد ذلك. اعتزمت عدم قراءتها، لكني دائما ما كنت أقرؤها. أضحت اتهاماته أكثر تحديدا. يقول إنه سمع أصواتا بحجرتي، وإن سلوكي يسبب الإزعاج لزوجته عندما تحاول أخذ قيلولة في فترة الظهيرة، (لم أحضر قط في فترات الظهيرة سوى في العطلة الأسبوعية!) وإنه عثر على زجاجة ويسكي في قمامتي.
نامعلوم صفحہ