الفصل التاسع والسبعون
ضياع قطام
فلنعد إلى سعيد وبلال في الكوفة فقد تركا بلالا يتأهب للقدوم على الفسطاط وسعيد يفكر في ماذا يفعل بعده وكان قد أمره بالذهاب إلى الفسطاط على أن يبقى هو هناك حتى يعود إليه بالخبر عن عمرو. ثم رأى أن المسافة بعيدة ربما لا يصبر عليها فقال له «لقد أمرتك بالرجوع إلى الكوفة ولكنني أرى الأجل بعيدا فإني شاخص إلى دمشق فإذا سرت إلى الفسطاط واطلعت على ما جريات الأحوال وافني إلى دمشق فإني أكون هناك في انتظارك في المسجد بعد عشرين يوما سواء تمكنت من الفتك بقطام الخائنة أم لا ولكنني أكون قد اطلعت على مصير معاوية».
فودعه بلال ومضى وصبر هو إلى الغد فخرج إلى الكوفة يلتمس بيت قطام فرآه مقفرا ليس فيه أحد فوقف عند باب الحديقة وجعل يتأمل بنخلاتها وطرقاتها ويفكر في ما مر له هناك من الأهوال وما طلى عليه من خيانة قطام غير مرة فشعر بضعفه وتذكر آخر مرة زار بها في ذلك المنزل ومعه ابن عمه عبد الله فأسف لفقده وازداد به الميل للانتقام من قطام ففكر في أمرها وفي المكان الذي عساها أن تكون قد انصرفت إليه فخطر له أن تكون قد سارت إلى أهلها في جوار الكوفة فخرج للبحث عنها فلم يقف لها على خبر فمل البحث وخاف أن يقضي الأجل الذي ضربه لبلال فيعود إليه في دمشق ولا يجده فخطر له أن قطاما ربما سارت إلى دمشق تلتجئ إلى معاوية بعد أن نجحت في قتل مناظره علي فسار يلتمس دمشق على ناقة تسابق الرياح.
أما قطام فكانت في الليلة التي وصل بها سعيد إلى الكوفة قد علمت بقدومه من ريحان إذ عاد إليها بما دار بينه وبين بلال عند خولة وحكى لها ما فضحه بلال من سره وكيف كان ذلك سببا في انكشاف أمره لدى سعيد فلم يعد يصدقه ويذهب معه إلى منزلها فحنقت على بلال وعلى سيدته ومازج ذلك الحنق غيرة من خولة. لأن قطاما اللعينة مع كرهها لسعيد لم تكن تصبر على من يحبه وخصوصا لما علمت أن خولة كانت عونا على عرقلة مساعيها في قتل الإمام علي فأضمرت لها السوء ولكنها شغلت عنها تلك الليلة بما كانت فيه من انتظار الفتك بعلي وكن ابن ملجم بائتا عندها. فلما كان الفجر خرجت هي وعجوزها وعندها ضربت قبتها في المسجد كما تقدم وفي ذلك من الجرأة والوقاحة ما فيه ولم تكن تخاف انكشاف حيلتها ولو تعمد سعيد أن يكشفها لما دبرته من الحيلة في إيصال الصك بعد تحويره إلى قنبر حاجب الإمام علي مع لبابة المحتالة كما علمت.
الفصل الثمانون
نجاة معاوية
فلما قتل الإمام علي على ما تقدم رأت ابن ملجم مقبوضا عليه وكانت تتوقع له ذلك من ذي قبل ففرت بعبدها وعجوزها إلى مكان خارج الكوفة وقد شفت غليلها بقتل الإمام. ولكنها مازالت ناقمة على سعيد وزادت نقمتها عليه بعد ما علمته من أمر خولة فعولت على اللحاق بالفسطاط لتشي بها إلى عمرو بن العاص لاعتقادها أنه يقدر خدمتها له حق قدرها لأنها أنبأته بمجتمع العلويين. وهي لا تشك أنها بمجرد وشايتها على خولة وإنها من أنصار علي يقتلها عمرو وإذا كان لا يزال حيا. وإذا كان قد قتل فتدبر حيلة أخرى. فلما خطر لها ذلك استشارت لبابة سرا فاستحسنت رأيها وحرضتها على المسير إلى الفسطاط واستشارت ريحان فقال لها أني في ركابك رحلت أو أقمت فأثنت على غيرته بألفاظ ملؤها التمليق والرياء وأصبحت في اليوم التالي تلتمس الفسطاط على أن تمر بدمشق وتستطلع حال معاوية وما كان من أمره بعد 17 رمضان حتى إذا كان قد نفذ السهم وقتل معاوية تحمل ذلك الخبر إلى عمرو وتحرضه على التماس السلطان لنفسه.
فلما وصلت دمشق سمعت أن المؤامر على قتل معاوية واسمه البرك بن عبد الله التميمي الصريمي قعد لمعاوية في فجر 17 رمضان في مسجد دمشق. فلما خرج معاوية للصلاة شد عليه بالسيف فوقع السيف في اليته
1
نامعلوم صفحہ