ظلمة الليل، كما كانت القاذورات ترمي على باب بيته حتى يتأذى ويضطرب خاطره، ولم يكن النبي ﷺ يزيد عن قوله يا بني عبد مناف أي جوار هذا؟ (١).
ويروي ابن عمرو بن العاص، وهو شاهد عيان، إن النبي ﷺ كان يصلي ذات يوم في حجر الكعبة، فقدم عقبة بن معيط فلوى ثوبه وجعله كالحبل، وبينما النبي ﷺ يسجد وضعه حول عنقه وراح يشده فخنقه خنقا شديدا والرسول ﷺ مستمر في سجوده بقلب مطمئن، حتى أقبل أبو بكر الصديق ﵁ فدفع عقبة وأقامه، وهو يسمعه الآية الكريمة: ﴿أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات﴾ (غافر: ٢٨) (٢).
وتعرض بعض الأشرار لأبي بكر وأوسعوه ضربا (٣).
ويذكر أنه في مرة أخرى بينما بدأ النبي ﷺ يصلي في حجر الكعبة ذهبت قريش وجلست في صحن الكعبة، فقال أبو جهل: لقد ذبحت ناقة بناحية في مكة ولا يزال سقطها (٤) ملقى على الأرض فليذهب أحد وليأت به فيلقيه عليه (أي على النبي ﷺ)، وحين كان النبي ﷺ ساجدا وضعوه على ثوبه المبارك، وكان النبي ﷺ مستغرفا في صلاته لله، لا يدري ما حدث، والكفار من حوله يضحكون ويتمايلون ويتساقط بعضهم على بعض (٥).
وكان الصحابي الجليل ابن مسعود ﵁ موجودا، ولم يتمكن من التصرف بعد أن رأى حشد الكفار، فقدمت فاطمة الزهراء ﵂، فألقت بالسقط الذي وضعه الكفار عن ظهر أبيها (٦).
لجان الإيذاء:
رأت قريش مكة أن ما كان يلاقيه النبي ﷺ والمسلمون من ظلم وأذى لا يكفي،
_________
(١) تاريخ الطبري مجلد ٢ [ص:٢٢٩].
(٢) صحيح البخاري عن ابن عمرو بن العاص باب ما لقي النبي من المشركين.
(٣) انظر فتح الباري ٧/ ١٦٩.
(٤) ما يطلق عليه العامة "الكرشة"
(٥) انظر البخاري عن ابن مسعود كتاب الجهاد والسير ٣/ ٢٣٤؛ وصحيح مسلم.
(٦) سيرة ابن هشام المجلد الأول [ص:٩٠] والشقا للقاضي عياض ١٢٩.
1 / 51