رحمان اور شیطان
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
اصناف
الشيطان في اللاهوت المسيحي
لم يبشر يسوع بإله جديد، بل كان ظاهر تعاليمه يشير على الدوام إلى إله العهد القديم. ومع ذلك فقد أحدث انقلابا داخل المؤسسة الدينية اليهودية أعظم أثرا من كل ما فعله الفكر المنحول، والفكر الغنوصي اليهودي على حد سواء. لقد أسس لعهد جديد بين الله الحقيقي وبني الإنسان جميعهم، وألغى العهد القديم عهد يهوه مع بني إسرائيل. فإله يسوع هو الألوهة السرمدية فيما وراء الزمن، وهو الواحد خالق العالم وصانع التاريخ، هو المتعالي ولكنه مرتبط مع العالم والإنسان برابطة الحب، وملتزم بخلاص العالم والإنسان منذ اللحظة التي داخل الشر فيها نسيج العالم الحسن والطيب. هو الحق والعدل، الخير ومنبع الخير، وهو فوق كل شيء إله أخلاق يأمر بها ويكافئ عليها، ولا يطلب من الإنسان سوى الإيمان والعمل الطيب، وهما المرتكزان الرئيسيان للعقيدة المسيحية.
لما كانت أهم صفات الله في علاقته بالعالم هي الحق والخير والعدل، وجميعها تنفي مسئولية الآب السماوي عن وجود الشر في العالم، فقد لجأ المعتقد المسيحي إلى حل هذه المعضلة عن طريق تبنيه لجواب قديم في صيغة جديدة، وذلك بابتكاره لأول مرة مفهوم الثنوية الأخلاقية التي تجعل للشيطان سلطانا على الحياة النفسية والمجتمعية للإنسان من دون بقية مظاهر الكون. هذه السلطة التي اكتسبها الشيطان منذ غوايته الأولى للإنسان، قد أطلقت تاريخا ديناميا يسير عبر ثلاث مراحل إلى نهاية محددة، ينتهي عندها الزمن والتاريخ وتدخل البشرية في الأبدية، كل ذلك يجري وفق خطة خلاصية أعدها الآب من البدء، وهو يسير بها الآن حتى نهايتها، لأنه: «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكيلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (إنجيل يوحنا، 3: 16).
قبل أن نعمد إلى شرح مفهوم التاريخ ومراحله في اللاهوت المسيحي، سوف نتوقف عند المعلومات المتفرقة في أسفار العهد الجديد عن منشأ الشيطان وتأسيسه لمملكة الظلام والشر وعن مصيره المرتقب. (1) الشيطان في الأناجيل
لا تقدم لنا أسفار العهد الجديد رواية متسقة ومطردة عن منشأ الشيطان، لأنها اعتمدت على لاهوت للشيطان كان الفكر المنحول قد نسجه ببطء، حتى صار جزءا من العقيدة الشعبية والرسمية في فلسطين. من هنا فإن معظم الإشارات التي أوردها مؤلفو هذه الأسفار تلمح إلى ما كان السامع أو القارئ يعرفه ويألفه، مع إضافتها لظلال وألوان جديدة على تلك الصورة المألوفة.
فالشيطان ليس كائنا شريرا فحسب، وإنما هو صاحب مملكة للشر تسود في هذا العالم. وقد قارن إنجيل متى بين مملكة الشيطان هذه ومملكة الله التي ستبنى على أنقاضها بظهور يسوع المخلص. فعندما رأى الفريسيون أن يسوع يخرج الشياطين من أجسام المجانين قالوا: «هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعل زبوب رئيس الشياطين. فعلم يسوع أفكارهم وقال لهم: كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب، فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته، فكيف تثبت مملكته؟ ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله» (متى، 12: 24-28). وللشيطان سلطان على هذا العالم قد دفع إليه مؤقتا وهو يتصرف به كما يشاء. فعندما أخذ الشيطان يسوع إلى البرية ليجربه أربعين يوما، ثم يئس من الإيقاع به، أخذه إلى جبل عال وأراه جميع ممالك الدنيا وقال له إن سلطان هذه الممالك ومجدها قد دفع إليه يتصرف بها ويعطيها من يشاء، فإن سجد له وهبه سلطة على العالم. نقرأ في إنجيل لوقا: «ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان، وقال له إبليس: لك أعطي هذا السلطان كله ومجده، لأنه إلي قد دفع وأنا أعطيه من أريد، فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع. فأجابه يسوع وقال: اذهب يا شيطان إنه مكتوب للرب تسجد وإياه وحده تعبد» (لوقا، 4: 5-8).
بسبب هذا السلطان الذي لإبليس على العالم، فقد دعاه إنجيل يوحنا برئيس هذا العالم، ولكن رئاسته تتضعضع مع مجيء يسوع وستنتهي في يوم الدينونة: «الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا. وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب الجميع إلي» (يوحنا، 12: 31). ودعاه بولس الرسول بإله هذا الدهر، لما له من سلطان على المرحلة الثانية من مراحل التاريخ: «ولكن إن كان إنجيلنا مكتوما، فهو مكتوم في الهالكين، الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح» (2 كورنثة، 4: 3-4). وأطلق عليه بولس أيضا وعلى زبانيته لقب سلاطين وحكام الظلام: «البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس، لأن مصارعتنا ليست مع كائنات من لحم ودم بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر» (إفسوس، 6: 11-13).
أما عن الاسم «الشيطان» فهو من الجذر العبري «شطن» الذي يتضمن معنى المقاومة والمعاندة، وعن الاسم الآخر «إبليس»، فهو من الأصل اليوناني «ديابولوس» الذي يعني المشتكي زورا، ومن هذا الأصل اليوناني أيضا جاءت كلمة Devil أي الشيطان، في اللغة الإنكليزية ولغات أوروبية أخرى. ويدعى أيضا بالتنين وبالحية القديمة (رؤيا يوحنا، 12: 9)، وبالأسد الزائر (بطرس، 5: 8)، وبالكذاب وأبو الكذاب (يوحنا، 8: 44)، وببعل زبوب رئيس الشياطين (متى، 12: 24). ويستخدم بولس في بعض رسائله الاسم المعروف لدينا من الأسفار التوراتية المنحولة، وهو بليعال: «لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين لأنه أية خلطة للبر والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال» (2 كورنثه، 6: 15).
يتخذ الشيطان من النفس الإنسانية والمجتمع الإنساني مجالا رئيسيا لنشاطه. يشبهه بولس الرسول بأسد يزأر على الدوام باحثا عن فريسته: «اصحوا واسهروا، إبليس خصمكم، كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه، فقاوموه راسخين بالإيمان» (1 بطرس، 5: 8-9). وهو يرسل زبانيته لتسكن في أجساد الناس وتسبب لهم أعراض الصرع والجنون (متى، 9: 34 و12: 24؛ مرقس، 9: 17-27). وهو يجرب الناس ليوقعهم في الخطيئة، سواء بشخصه أم من خلال زبانيته (1 تسالونيكي، 3: 5؛ 1 كورنثة، 7: 5) جاعلا منهم مقاومين الله ذاته (أعمال، 5: 3). وهو روح رهيب بحيله ووساوسه وخدعه (2 كورنثة، 2: 11؛ إفسوس، 6: 11؛ تيماوس، 3: 7 و6: 9)، يتخذ زي ملاك النور (2 كورنثة، 11: 4). وهو وراء الخطيئة الأصلية (روما، 5: 12 و7: 7). ومنذ أن أخضع آدم وحواء لسلطته فقد أخضع الجنس البشري لصولته الظالمة (إفسوس، 2: 1-3). في ظل هذا الوضع على الإنسان أن يختار بين الله وإبليس، بين المسيح وبليعال (2 كورنثة، 6: 15)، بين الحق والشرير (1 رسالة يوحنا، 5: 18). لأن الإنسان في اليوم الأخير سيرتبط مصيره إلى الأبد هذا أو ذاك، فالمؤمن يهزم إبليس باتحاده بالمسيح بالإيمان (إفسوس، 6: 10)، وكذلك بالصلاة: «أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا كل يوم، واغفر لنا خطايانا لأننا نحن أيضا نغفر لكل من يذنب إلينا، ولا تدخلنا في التجربة، لكن نجنا من الشرير» (إنجيل متى، 6: 9-13).
إن من يختار الله ومسيحه يكون واثقا من الانتصار، ولن ينهزم إلا من يقبل الهزيمة (رسالة يعقوب، 4: 7؛ إفسوس، 4: 27). فلقد حققت قيامة المسيح هزيمة إبليس بالفعل، ولكن المعركة لن تنتهي تماما إلا عند آخر مشهد من مشاهد تاريخ الخلاص، وذلك في يوم الرب عندما يبيد المسيح في قدومه الثاني كل قوة ورئاسة وسلطان لإبليس، ويسلم الملك للآب (1 كورنثة، 15: 24-28). وهنا يقدم لنا سفر الرؤيا، آخر أسفار العهد الجديد، صورة شديدة الحيوية والتأثير عن حرب نهاية الزمن بين الملائكة والشياطين: «وحدثت حرب في السماء. ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته ولم يقووا، فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء. فطرح التنين العظيم، الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله، طرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكته، وسمعت صوتا عظيما قائلا في السماء: الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه ... ورأيت ملاكا نازلا من السماء معه مفاتيح الهاوية وسلسلة عظيمة على يده، فقبض على التنين الحية القديمة، الذي هو إبليس والشيطان، قيده ألف سنة وطرحه في الهاوية وأغلق عليه، وختم عليه لكيلا يضل في الأمم فيما بعد» سفر الرؤيا مقاطع من الإصحاحين 12 و20.
نامعلوم صفحہ