مسلم مسافرین بیچلے دور میں
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
اصناف
كما شاهد القناطر التي شيدها السلطان عند بدء الصحراء الغربية «بعد رصيف ابتدئ به من حيز النيل بإزاء مصر، كأنه جبل ممدود على الأرض تسير فيه مقدار ستة أميال حتى يتصل بالقنطرة المذكورة». وكانت القنطرة والطريق المرصوف معا جزءا مما أعده السلطان للدفاع عن البلاد من جانب الغرب. ولاحظ ابن جبير أن جميع المسخرين في العمائر والمنشآت المختلفة كانوا من أسرى الروم. ووصف أهرام الجيزة «وأبا الهول».
وأشار في حديثه عن القاهرة إلى فضل السلطان صلاح الدين في محو المكوس، التي كانت مفروضة على الحجاج في عصر الدولة الفاطمية، والتي كانت تجبى يضطهدون ويعذبون في سبيل دفعها؛ وأما الذين لا يدفعون الضريبة في عيذاب، وتصل أسماؤهم إلى جدة «غير معلم عليها علامة الأداء»، فكانوا يلقون فيها أضعاف هذا التنكيل. فأبطل صلاح الدين هذه المكوس، وعوض أمراء مكة بما يرسله إليهم سنويا من الطعام والمال. •••
ثم صعد ابن جبير في النيل إلى قوص. ووصف بعض المعابد في المدن. التي توقفت عندها المركب، كما شرح ما يلقاه الحجاج والمسافر من عسف العمال المكلفين جمع الزكاة، فقد كانوا يعترضون المركب ويفتشون المسافرين ويفحصون الأمتعة بوساطة مسلة طويلة يتخللون بها الأكياس والحزم.
ودخل ابن جبير قوص فكتب أنها حافلة الأسواق، متسعة المرافق، كثيرة الخلق لكثرة الصادر والوارد من الحجاج والتجار المصريين والمغاربة واليمنيين والهنديين وتجار أرض الحبشة. ثم سافر منها إلى عيذاب بطريق الصحراء الذي ذاعت شهرته في عالم التجارة في العصور الوسطى. ووصف ابن جبير هذا الطريق وأشار إلى ضخامة تجارته في الفلفل وأنواع التوابل فقال: «ورمنا في هذا الطريق إحصاء القوافل الواردة والصادرة فما تمكن لنا، ولا سيما القوافل العيذابية المتحملة لسلع الهند الواصلة إلى اليمن، ثم من اليمن إلى عيذاب وأكثر ما شاهدنا من ذلك أحمال الفلفل، فلقد خيل إلينا لكثرته أنه يوازي التراب قيمة. ومن عجيب ما شاهدناه بهذه الصحراء أنك تلتقي بقارعة الطريق أحمال الفلفل والقرفة وسائرها من السلع مطروحة لا حارس لها، تترك بهذا السبل إما لإعياء الإبل الحاملة لها، أو غير ذلك من الأعذار. وتبقى بموضعها إلى أن ينقلها صاحبها مصونة من الآفات، على كثرة المارة عليها من أطوار الناس.
وصل ابن جبير إلى عيذاب ولاحظ أنها من أعظم الثغور شأنا «بسبب أن مراكب الهند واليمن تحط فيها وتقلع منها زائدا إلى مراكب الحجاج الصادرة والواردة». كما لاحظ أنها في صحراء لا نبات فيها ولا يؤكل فيها شيء إلا مجلوب، ولكن أهلها في نعمة بما يكسبونه من خدمة الحجاج ولا سيما من تأجير الجلاب - والواحدة جلبة - وهي المراكب التي تنقل الحجاج بين عيذاب وجدة. وقد وصفها ابن جبير وصفا فريدا؛ لأنها كانت غريبة لا يستعمل فيها مسمار البتة. وكان أهل عيذاب لا يحفلون براحة الحجاج؛ فكانوا «يشحنون الجلاب بهم، حتى يجلس بعضهم على بعض وتعود بهم كأنها أقفاص الدجاج»؛ لكي يستطيع صاحب الجلبة منهم أن يستوفي ثمنها في رحلة واحدة. والواقع أن ابن جبير قدر أن الحلول بعيذاب من أعظم المكاره التي حف بها السبيل إلى الحج، فقد كان ساخطا على هوائها الذي «يذيب الأجسام» ومائها «الذي يشغل المعدة على اشتهاء الطعام»، وسكانها «الذين لا خلاق لهم ولا جناح على لاعنهم». وأشار في هذه المناسبة إلى ما يزعمه الناس من أن سليمان بن داود كان اتخذها سجنا للعفارتة. ونصح ابن جبير بتجنبها وباتخاذ طريق الشام. والحق أن هذا الطريق الأخير ومثله طريق العقبة، كان طريقا طبيعيا ولا سيما لحجاج المغرب والأندلس. ولكن وجود الصليبيين في الشام حمل معظم الحجاج على التحول إلى طريق عيذاب. •••
على أن الجزء الأساسي في رحلة ابن جبير إنما هو وصف مكة والمسجد الحرام ومناسك الحج وزيارة المدينة؛ فقد استغرق هذا كله أكثر من ثلث الكتاب، ووفق فيه الرحالة لتدوين أخبار وملاحظات ذات شأن عظيم في دراسة التاريخ والآثار الإسلامية. ولا عجب فقد أقام بمكة حول ستة شهور. وغضب ابن جبير لما شاهده من سوء معاملة الحجاج، وإمعان أهل مكة في استغلالهم، لولا تدارك صلاح الدين بإرساله المال والطعام إلى مكثر الحسني أمير مكة، فضلا عن منحه إقطاعات في صعيد مصر واليمن. غير إن غياب صلاح الدين في حروبه مع الصليبيين في الشام كان يشجع مكثر الحسني على التمادي في نهب الحجاج، حتى تمنى ابن جبير أن تطهر تلك الأراضي المقدسة بسيوف مولاه ملك الموحدين.
وكان أمراء مكة يدينون بالطاعة للخليفة العباسي ولصلاح الدين، ولكنهم كانوا ينعمون بقسط وافر من الاستقلال، ما دام الخليفة العباسي ضعيفا، وما دام صلاح الدين مشغولا بقتال الصليبيين. وذكر ابن جبير أن الخطيب في الحرم الشريف كان يدعو يوم الجمعة للخليفة العباسي. ثم لأمير مكة ثم للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولأخيه وولي عهده أبي بكر. «وعند ذكر صلاح الدين بالدعاء تخفق الألسنة بالتأمين عليه في كل مكان. وحق ذلك عليهم، لما يبذله من جميل الاعتناء بهم وحسن النظر لهم ... وحسن رفعه من وظائف المكوس عنهم.» وليس هذا هو الوضع الوحيد الذي أشار فيه ابن جبير إلى صلاح الدين بأعظم الإعجاب والتقدير.
أكمل ابن جبير حجته، ولكنه لم يعقد العزم على العودة إلى وطنه مباشرة. ولم يكن ليفكر في الرجوع من طريق عيذاب؛ فرافق ركب الحجاج العراقي، ومر بطريق نجد قاصدا الكوفة، ودون أن هذه المدينة «كبيرة عتيقة البناء قد استولى الخراب على أكثرها، ومن أسباب خرابها قبيلة خفاجة المجاورة لها، فهي لا تزال تضر بها». وعبر الفرات عند مدينة الحلة على جسر جديد أمر الخليفة بتشييده لراحة الحجاج. وكان هذا الجسر معقودا على مراكب كبار متصلة من الشط إلى الشط، تحف بها من جانبها سلاسل من حديد «كالأذراع المفتولة عظما وضخامة، ترتبط إلى خشب مثبتة في كلا الشطين تدل على عظم الاستطاعة والقدرة». واجتاز ابن جبير بظاهر مدينة الحلة جسرا آخر على نهب متشعب من الفرات يسمى «النيل».
وأخيرا ألقى الرحالة عصا التسيار في بغداد. ووصف أحياءها المختلفة ومساجدها وأسواقها وحماماتها ومدارسها ومستشفياتها، ولكنه لم يجد العاصمة العباسية على حسب ما تخيل فكتب: «إن هذه المدينة العتيقة، وإن لم تزل حاضرة الخلافة العباسية ... قد ذهب أكثر رسمها، ولم يبق منها إلا شهير اسمها ... أما أهلها فلا تكاد تلقى منهم إلا من يتصنع بالتواضع رياء، ويذهب بنفسه عجبا وكبرياء. يزدرون الغرباء، ويظهرون لمن دونهم الأنفة والإباء، ويستصغرون عمن سواهم الأحاديث والأنباء. قد تصور كل منهم في معتقده وخلده أن الوجود يصغر بالإضافة لبلده؛ فهم لا يستكرمون في معمور البسيطة مثوى غير مثواهم، كأنهم لا يعتقدون أن لله بلادا أو عبادا سواهم ... يظنون أن أسنى الفخار في سحب الإزار ... يتبايعون بينهم بالذهب قرضا؛ فلا نفقة فيها إلا من دينار تقرضه، وعلى يدي مخسر للميزان تعرضه، لا تكاد تظفر من خواص أهلها بالورع العفيف، ولا تقع من أهل موازينها ومكاييلها إلا على من ثبت له الويل في سورة التطفيف. فالغريب منهم معدوم الإرفاق متضاعف الإنفاق، لا يجد من أهلها إلا من يعامله بنفاق، أو يهش إليه هشاشة انتفاع واسترفاق ... فسوء معاشرة أبنائها يغلب على طبع هوائها ومائها ... أستغفر الله إلا فقهاءهم المحدثين ووعاظهم المذكرين ... لكنهم معهم يضربون في حديد بارد.»
والحق أن ابن جبير كان قاسيا على أهل بغداد قسوة تذكرنا بقسوة الطبيب ابن رضوان (القرن 6ه/12م) على المصريين عامة، حين أسرف في وصفهم بالجبن والبخل وما إلى ذلك، حتى لاحظ أن كلابهم أقل جرأة وبهائمهم أشد ضعفا من الكلاب والبهائم في سائر الأقاليم.
نامعلوم صفحہ