مسلم مسافرین بیچلے دور میں
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
اصناف
الثاني فنزل في بلاطه بصقلية، حيث كان التأثر بالمدينة الإسلامية لا يزال عظيما.
وكان رجار قد أراد - جريا على سنة كثير من الأمراء الشرقيين - أن يؤلف له كتاب شامل في وصف مملكته وسائر الآفاق المعروفة في ذلك العهد، فجمع ما كتب المؤلفون في هذا الميدان. ووقع اختياره على الشريف الإدريسي ليصنف له كتابا في وصف الكرة الأرضية الفضية التي صنعت له مرسوما عليها جميع الأقاليم المعروفة حينئذ. وطبيعي أن هذا الاختيار يشهد بما كان للمسلمين من تفوق في العلوم والفنون في ذلك العصر. وقد تم تأليف هذا الكتاب المسمى «نزهة المشتاق» قبل وفاة رجار سنة (548ه/1154م)، وظل الكتاب ينسب إلى أمير البلاد فيقال: «كتاب رجار» أو «الكتاب الرجاوي».
واستعان الإدريسي في كتابه مؤلفاته الجغرافية الواسعة بما أفاده من رحلاته الخاصة، وبما جمعه الرواد الذين أوفدهم الملك رجار إلى أقاليم المختلفة لاستطلاع أوصافها وتحقيق مواضعها، وبما قيده من أحاديث الرحالة والتجار والحجاج في السفن التي كانت تمر بموانئ صقلية، إلى جنب ما استطاع الحصول عليه من بيانات عن البلاد المسيحية بفضل رعاية الملك رجار المسيحي. والواقع أنه - بهذه البيانات - امتاز على سائر الجغرافيين المسلمين فإن من سبقه منهم لم يستطع الكتابة على أوروبا في شيء من الدقة، ولم يظهر بمشاهدات أولئك الرواد الذين أوفدهم الملك حتى إلى أقصى الأطراف مثل إسكندناوة. أما الذين خلفوه فقد عمد معظمهم إلى نقل ما كتبه هو في هذا الصدد.
وطبيعي أيضا أن يمتاز كتاب الإدريسي بغزارة مادته في جغرافية المغرب وصقلية مما يشهد بأنه ساح في تلك الآفاق. أما فيما يخص الشرق فقد نقل كثيرا عمن سبقه من المؤرخين. ومع ذلك كله، فإن ما كتبه عن مصر والشام وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والأراضي المطلة على البحر الأدرياتيك يشهد بأنه أفاد كثيرا من سياحاته الخاصة أو سياحات غيره من الرواد. وكتب الإدريسي كثيرا في الغوص عن اللؤلؤ فأحسن عرض هذا الموضوع وألم بأطرافه.
1
وأكبر الظن أن كتب الإدريسي وصلت إلى العلماء المسيحيين بصقلية في العصور الوسطى، ولكننا لم نظفر بدليل على ذلك؛ لأن أقدم ترجمة نعرفها لكتابه «نزهة المشتاق» كانت إلى اللاتينية في بداءة القرن السابع عشر الميلادي. والذي لا شك فيه أن الغربيين اعتمدوا هذا الكتاب في تقويم البلدان، ولا سيما بلاد الشرق، إلى أن تقدم علم الجغرافيا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وحسبنا أن نشير إلى ما كتبه البارون دي سلان. (في عدد أبريل سنة 1841 من المجلة الآسيوية الفرنسية)؛ فقد قال: «إن كتاب الإدريسي لا يمكن أن يوازن به أي كتاب جغرافي سابق له، وإن ثمت بعض أجزاء من المعمورة لا يزال هذا الكتاب دليل المؤرخ والجغرافي في الأمور المتصلة بها.»
ولا شك في أن ما كتبه الإدريسي عن صقلية يشهد بالتسامح الديني الذي كان سائدا فيها برعاية الحكام النورمانديين الذين كانوا يحثون رعاياهم المسلمين على التمسك بأهداف دينهم والذين يقال: إنهم كانوا لا يأذنون للمسلم أن يرتد عن الإسلام. ولا غرو في ذلك فقد كان هؤلاء الحكم شبه شرقيين في مظاهر حضارتهم المختلفة.
ومما يؤسف له أننا لا نعرف شيئا كثيرا عن سيرة الإدريسي. وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن مرجع هذا أن المؤلفين العرب كانوا يتجاهلون وجوده لإسرافه في مدح رجار، ولإنصافه المسيحيين في صقلية إلى أبعد حد، في وقت كان المسيحيون فيه يشنون على المسلمين الحروب الصليبية الشعواء، أو يعملون على طردهم من الأندلس. ولكن هذا التعليل لا يقوم على أساس متين؛ لأن شكنا في شأن ضياع سيرة الإدريسي تصلح أيضا لسيرة كثير من سائر الجغرافيين المسلمين، الذين لم يتصلوا بالمسيحيين ولم يسرفوا في مدحهم.
السمعاني
هو عبد الكريم بن أبي بكر السمعاني من علماء مدينة مرو. ولد سنة (506ه/1112م) من بيت كريم انتهت إليه رئاسته. وقام برحلات طويلة في طلب العلم والحديث؛ حتى قيل: إن عدد شيوخه زاد على أربعة آلاف. والمعروف أنه زار بلاد ما وراء النهر
نامعلوم صفحہ