مسلم مسافرین بیچلے دور میں
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
اصناف
والحق أن ابن فضلان ترك لنا في وصف رحلته صورة واضحة للبلغار وحضارتهم وعادتهم وتجارتهم. ويشهد ما كتبه في هذا الصدد بأنهم كانوا لا يزالون دون ما وصل إليه المسلمون في مدينتهم، وإن بدت بعض عاداتهم طريفة، كأن يأكل كل واحد من مائدته لا يشاركه فيها أحد ولا يتناول من مائدة غيره شيئا ، وكلبسهم القلانس يرفعونها عن الرأس ويجعلونها تحت الإبط للتحية وإظهار الاحترام.
ويلوح أن علاقة ملك البلغار بشعبه كانت علاقة أبوية وديمقراطية؛ فقد دون ابن فضلان أن «كل من زرع شيئا أخذه لنفسه، ليس للملك فيه حق؛ غير أنهم يؤدون إليه من كل بيت جلد ثور. وإذا أمر سرية بالغارة على بعض البلدان كان له معهم حصة ... وكلهم يلبسون القلانس فإذا ركب الملك ركب وحده بغير غلام ولا أحد معه. فإذا اجتاز في السوق لم يبق أحد إلا قام، وأخذ قلنسوته عن رأسه وجعلها تحت إبطه، فإذا جاوزهم ردوا قلانسهم فوق رؤوسهم، وكذلك كل من يدخل على الملك من صغير وكبير حتى أولاده وإخوته، ساعة يقع نظرهم عليه، يأخذون قلانسهم فيجعلونها تحت آباطهم ثم يومئون إليه برؤوسهم ويجلسون، ثم يقومون حتى يأمرهم بالجلوس؛ وكل من جلس بين يديه يجلس باركا ولا يلبس قلنسوته ولا يظهرها حتى يخرج من بين يديه فيلبسها عند ذلك.
والظاهر أن السمن كان محبوبا عند البلغار؛ وقد كان ملكهم بدينا. ورأى ابن فضلان عندهم تفاحا «أخضر شديدة الحموضة جدا تأكله الجواري فيسمن»، ومما أتعب ابن فضلان في مهمته الدينية أن الرجال والنساء كانوا ينزلون النهر فيغتسلون جميعا عراة لا يستتر بعضهم من بعض. وقد اجتهد في منع ذلك فلم يوفق، وكان مركز المرأة بينهم عاليا، وكانت الملكة تجلس إلى جانب الملك في المناسبات الرسمية.
وطبيعي أن هذا الرحالة عرض في رسالته لطول الليل شتاء وطول النهار صيفا، وتعذر تحديد ساعات الصلاة فكتب في هذا الصدد: «ودخلت أنا وخياط كان للملك من أهل بغداد قبتي لنتحدث؛ فتحدثنا بمقدار نصف ساعة ونحن ننتظر أذان العشاء؛ فإذا بالأذان، فخرجنا من القبة، وقد طلع الفجر. فقلت للمؤذن: أي شيء أذنت؟ قال: الفجر. قلت: فعشاء الأخيرة. قال: نصليها مع المغرب. قلت: فالليل؟ قال: كما ترى، وقد كان أقصر من هذا وقد آخذ الآن في الطول ... إلخ.» ونقل ابن فضلان عن ملك البلغار «أن وراء بلده بمسيرة ثلاثة أشهر قوما يقال لهم: ويسو ؛ الليل عندهم أقل من ساعة».
والغريب أن ابن فضلان لم يكتب في رسالته شيئا عن نتائج هذه الرحالة من الوجهتين السياسية والحربية؛ فلسنا ندري هل ساعد المسلمون البلغار في تشييد الحصون المطلوبة أم لا. وأكبر الظن أن ملك البلغار كان يريد بناء تلك الحصون ليحتمي فيها من ملك الخزر بوجه خاص. وكان ملوك الخزر من أصل يشبه البلغار، وكانت مملكتهم عند مصب نهر الفولجا ولكنهم كانوا من أتباع الديانة اليهودية وكانوا يعدون ملوك البلغار تبعا لهم. وعلى كل حال فإن رحلة ابن فضلان من أقدم ما وصل إلينا عن بلاد الروسيا. بل إننا لا نعرف عن رسالة سبقوه في هذه الجولة ما خلا أوتير
Ohther
النرويجي الذي زار الإقليم الواقع شمالي الروسيا حول البحر الأبيض الروسي، وذلك قبل رحلة ابن فضلان إلى بلاد البلغار بنحو ستين سنة.
وقد وصف ابن فضلان بعض قدماء الروس الذين شاهدهم في مكان على نهر الفولجا حين قدموا للتجارة مع البلغار. وكتب المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي
V. Minorsky
في هذا الصدد أن ابن فضلان كان دقيق الملاحظة فوصف حفلة دفن زعيم روسي وصفا مفصلا دقيقا حتى لقد استطاع أحد رسامي الروسي منذ خمسين عاما أن يرسم - اعتمادا على هذا الوصف - صورة لهذا المشهد الرهيب تزين الآن أحد جدران المتحف التاريخي في موسكو.
نامعلوم صفحہ