رحلات الفضاء: تاريخ موجز
رحلات الفضاء: تاريخ موجز
اصناف
كان للاستكشاف الفعلي للقمر والكواكب الذي بدأ في الستينيات تأثيرات حاسمة على تصورات الجمهور للحياة خارج كوكب الأرض. وسرعان ما قوضت المركبة الفضائية الأمريكية «مارينر» الأمل الذي كان في سبيله إلى التلاشي بالفعل في أن أشكال الحياة الأكبر، أو حتى الكائنات الحية الأحادية الخلية، قد تكون موجودة على كوكب الزهرة والمريخ. كانت درجات الحرارة في كوكب الزهرة ساخنة بما يكفي لإذابة الرصاص، في حين بدا كوكب المريخ مثل صحراء باردة ملأى بالفوهات. وقد جعل التصوير الفوتوغرافي المداري المكثف للمريخ في السبعينيات هذا الكوكب أكثر إثارة للاهتمام مرة أخرى، بسبب الدور الواضح الذي لعبته الفيضانات في ماضيه البعيد، لكن فشل «فايكينج» في اكتشاف أي حياة في عام 1976 أنهى بالفعل عملية استكشاف المريخ الأمريكية لمدة عشرين عاما. وأوضحت استطلاعات الرأي العام أن الحياة خارج الأرض كانت دائما دافعا قويا للدعم العام والسياسي لاستكشاف الفضاء. ولعل أي اكتشاف مبكر للحياة كان سيغير جذريا مسار تاريخ الفضاء. ولكن العكس تماما هو ما حدث؛ حيث عززت النتيجة السلبية للبحث عن حياة خارج كوكب الأرض تراجع الاهتمام الجماهيري وتمويل الدولة لرحلات الفضاء التي تلت سباق القمر.
9
ومع ذلك، استمر افتتان الجماهير بالحياة خارج كوكب الأرض، مما أدى إلى التحول في الموقع المتصور للحياة الذكية إلى الفضاء بين النجوم والأنظمة النجمية الأخرى. في بداية الحرب الباردة، عندما كان ينظر إلى الأجسام الطائرة المجهولة على أنها كائنات فضائية، تحدثت الصحافة والجمهور غالبا عن «رجال المريخ». وعندما وأد استكشاف الفضاء كل أمل في وجود حياة ذكية في النظام الشمسي، بل حتى في وجود أي حياة تتجاوز الكائنات الحية البسيطة، تحول تركيز الثقافة الفرعية للأجسام الطائرة المجهولة والخيال العلمي السائد إلى السفر بين النجوم. لم تكن فكرة جديدة، لكنها سرعان ما أصبحت محط الاهتمام الرئيسي لتمثيل كيفية مواجهة البشر للكائنات الفضائية، لا سيما في الأفلام - سواء كانت لدينا تلك القدرة التكنولوجية أو لديهم أو كانت لدى كلينا. أظهر ستانلي كوبريك في عام 1968 في فيلمه «2001: ملحمة الفضاء» («2001: أ سبيس أوديسي») وستيفن سبيلبيرج في فيلمه «لقاءات قريبة من النوع الثالث» («كلوز إنكونترز أوف ذا ثيرد كايند») عام 1977 وفيلم «إي تي» في عام 1982 الكائنات الفضائية كشخصيات طيبة تأتي إلى كوكب الأرض، في حين جسد المسلسل التليفزيوني والسينمائي «رحلة عبر النجوم» («ستار تريك») تحول الاستكشاف البشري إلى الفضاء المتخيل بين النجوم. وفي الوقت نفسه ظهرت رؤى أكثر تشاؤما للحياة خارج كوكب الأرض، كما في فيلم «إيلين» (1979) للمخرج ريدلي سكوت، وأجزائه اللاحقة، والتي كانت بمثابة الوجه الآخر للعملة نفسها.
أثر التوسع في الأدوات والإمكانيات الفلكية أثناء الحرب الباردة على الثقافة الفلكية والمفاهيم العلمية للحياة خارج الأرض أيضا. كما أدى توفر التليسكوبات الراديوية الكبيرة إلى قيام عالم الفلك الأمريكي فرانك دريك باقتراح الاستماع إلى النجوم القريبة بحثا عن أي إشارات لحضارات خارجية. وولدت هذه الفكرة مجالا فرعيا جديدا؛ ألا وهو البحث عن الذكاء خارج كوكب الأرض (
SETI )؛ وأصبح كارل ساجان واحدا من أكثر المدافعين عن هذه الفكرة ومن أكثر مروجيها إقناعا، تماما كما كان عندما كان يبحث عن حياة في النظام الشمسي. أصبحت رواية الخيال العلمي الخاصة به التي تتناول البحث عن الذكاء خارج الأرض: «الاتصال» («كونتاكت»، 1985)، فيلما من أفلام هوليوود في عام 1997، وهذا الفيلم عرف الجمهور العالمي بهذه الفكرة بطريقة لم تحققها التغطية الإعلامية. وكان لبحث علم الفلك المحترف عن أدلة على وجود أنظمة كوكبية أخرى تأثير أكثر وضوحا، ولا سيما بعد الإنجاز التكنولوجي الذي تحقق في التسعينيات وأدى إلى الكشف الفعلي عن كواكب خارج المجموعة الشمسية. وقد عزز الاكتشاف اللاحق لآلاف من الأنظمة، ولا سيما من خلال تليسكوب كيبلر الفضائي التابع لوكالة ناسا، الرسالة القائلة بأن هناك الكثير من المواقع المحتملة للحياة خارج كوكب الأرض.
10
وما زال البحث عن الحياة جاريا، وما زال يشكل دعم الجماهير لبرامج الفضاء ودعمهم الأوسع للثقافة الفلكية. وقد أعاد علم الأحياء الفلكي إحياء البحث في النظام الشمسي من خلال التأكيد على أشكال الحياة الغريبة على الأرض وكيف يمكن أن تنطبق على مواقع جديدة، مثل المحيطات الموجودة تحت سطح الأقمار الجليدية للمشتري وزحل. وقد كانت الحياة هي السياق العلمي عندما استؤنف برنامج المريخ الأمريكي في نهاية التسعينيات باستراتيجية «اتبع المياه » - على الرغم من أن الأمل قد انحسر في العثور، في أحسن الأحوال، على كائنات وحيدة الخلية تحت الأرض أو أحافير لها في الصخور. وقد عكست الأفلام الحديثة هذه المهام (على سبيل المثال، فيلم «تقرير أوروبا» («يوروبا ريبورت»، 2013) أو «الحياة» («لايف»، 2017)) على الرغم من أن الكائنات والأوساط بين النجمية لا تزال مهيمنة على الترفيه الجماهيري، وغالبا ما يراعى الحد الأدنى لقوانين الفيزياء. وهكذا، وبغض النظر عن النتائج الفعلية لبعثات الفضاء وعلم الفلك، تظل الكائنات الفضائية موضوعا منتشرا في الثقافة الفلكية.
سباق الفضاء والإعجاب الشديد برواد الفضاء
كان أول قمرين صناعيين من نوع «سبوتنيك» بالفعل موضوعا للأغاني والقصائد، ولا سيما الكلبة لايكا المسكينة التي كانت على متن القمر الصناعي «سبوتنيك 2». لكن الظهور السريع لرحلات الفضاء المأهولة، المدفوعة بسباق الفضاء، جنبا إلى جنب مع القومية وتعرف الجمهور بشكل أكبر على ما يمكن أن يمر به البشر في الفضاء، يعني أن الإنتاج الثقافي المرتبط ببرامج الفضاء الحقيقية أصبح يتمحور بأكمله تقريبا حول رواد الفضاء. وقد أضحى رواد الفضاء السبعة على متن المركبة «ميركوري» أبطالا فور إعلان ناسا اختيارهم في أبريل 1959؛ إذ كان على رواد الفضاء أن ينتظروا الشهرة حين تحين رحلتهم الأولى، هذا إذا حصلوا على واحدة، فتلك كانت السرية التي هوس بها السوفييت. وضع الجانبان الأمريكي والسوفييتي مبادئ متوازية؛ إذ كان رواد الفضاء طيارين بطوليين، ذكوريين في الغالب، ومواطنين نموذجيين، وآباء، ووطنيين، ومؤمنين حقيقيين بأنظمتهم السياسية. وبوصفهم ممثلين دوليين، كانوا مبعوثين للسلام، على الرغم من أنهم كانوا في الغالب ضباطا في الجيش (في المجموعات الأولى). كانت هذه المبادئ مدعومة من الحكومة، لكنها كانت حقيقية أيضا بالنسبة إلى العديد من الناس في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وحلفائهم.
11
نامعلوم صفحہ