رحلات الفضاء: تاريخ موجز
رحلات الفضاء: تاريخ موجز
اصناف
انكشف النقاب عن قصة مماثلة في علم الفلك الفضائي بعد الحرب الباردة؛ فقد مولت الولايات المتحدة، التي كانت تتمتع بميزانية مدنية مخصصة لعلوم الفضاء أكبر من الميزانيات التي خصصتها أي دولة أخرى للفضاء ، مجموعة من البعثات المهمة إلى الفضاء، في حين بدأ الأوروبيون واليابانيون في اللحاق بالركب. حولت عمليات إصلاح وصيانة وتحديث تليسكوب هابل التابع لوكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية بواسطة رواد الفضاء هذا التليسكوب هابل من مثار سخرية على شاشات التليفزيون إلى مركبة فضاء شهيرة لجمع البيانات الأساسية حول الكون. الجدير بالذكر بشكل خاص هو التوصل، بمساعدة المراصد الأرضية، إلى قياس دقيق إلى حد ما لمدى سرعة تمدد الكون، مما أدى إلى تحديد الوقت الذي انقضى منذ الانفجار الكبير: 13,7 مليار سنة. أنتجت المراصد الكبرى الأخرى كمية هائلة من البيانات عن الثقوب السوداء والنجوم المتفجرة وسحب الغبار والتطور المبكر جدا للمجرات. وأضافت أجهزة التليسكوب الصغيرة والمتوسطة التابعة لوكالة ناسا إسهامات متخصصة، مثل تعيين مواطن الشذوذ في إشعاع خلفية الكون الباهت الذي خلفه الانفجار الكبير، وتشير هذه المواطن إلى بذور أقدم تطور للمجرات والنجوم. بعد تحقيق إنجاز تكنولوجي هائل في المعدات الأرضية التي أثبتت لأول مرة أن الكواكب تدور بالفعل حول نجوم أخرى. عثر تليسكوب «كيبلر» التابع لناسا على آلاف الكواكب الأخرى ولا يزال يفعل ذلك حتى اليوم.
أسهمت وكالة الفضاء الأوروبية في جميع المجالات أيضا، حيث أطلقت بعثات فضاء رائدة مثل «هيباركوس» و«بلانك» لقياس مواضع وحركات الملايين من النجوم في مجرتنا بدقة، مما أسفر عن قياسات دقيقة للمسافات وفهم أفضل للمنطقة المحيطة بالشمس. ابتداء من عام 1979، بدأت اليابان في الدوران حول الأقمار الصناعية الفلكية أيضا، لا سيما المتخصصة في علم الفلك بالأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية. وقامت الصين والهند الأقل تطورا اقتصاديا بإنجازات أقل، حيث أعطت كل منهما الأولوية للتطبيقات المدنية أو العسكرية العملية، وللبعثات التي تحقق لهم مكانة دولية، مثل الرحلات إلى القمر والكواكب.
وأخيرا، دعمت الاستثمارات الضخمة التي خصصتها وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية واليابان شبكة متنامية من الأقمار الصناعية لمراقبة الشمس وانفجاراتها باستمرار. تموضعت بعض هذه الأقمار الصناعية في مدار يبعد مليون ميل عن الأرض، عند نقطة توازن خاصة بين الجاذبية الأرضية والشمسية، مما يسمح بمراقبة دائمة على مدار الساعة للانفجارات الشمسية وانبعاثات الجسيمات المشحونة التي من شأنها أن تؤثر على الغلاف المغناطيسي للأرض. تتسبب أحداث «الطقس الفضائي» هذه في حدوث أضواء الشفق القطبي الرائعة (الأضواء التي تتكون في سماء القطبين الشمالي والجنوبي)، ولكنها تهدد أيضا البنية التحتية المتنامية للأقمار الصناعية في مدار الأرض، ومن خلال التيارات التي تسببها العواصف المغناطيسية، تهدد كذلك البنية التحتية الأرضية مثل شبكات الطاقة الكهربائية. وهكذا تزايد الاندماج بين علم الفلك الشمسي الفضائي والفيزياء الفضائية، اللذين يشتركان في أصل مشترك في رحلات «في-2» بعد الحرب العالمية الثانية، في مجال متعدد التخصصات وصفته ناسا ب «الفيزياء الشمسية». يتم دمج البيانات من تجارب الجسيمات والحقول التي تجريها المركبات الفضائية التي تدور حول الأرض والمركبات بين الكواكب والخاصة بدول متعددة مع عمليات المراقبة الشمسية الأرضية والفضائية، مما يخلق لأول مرة الخطوط العريضة لرؤية شاملة لتأثير الشمس على النظام الشمسي بأكمله.
الخلاصة
ما الذي تعلمته البشرية مما يقرب من خمسة وسبعين عاما من علوم الفضاء واستكشافه؟ كما يتضح من المثال الأخير، تعلمت قدرا هائلا. لقد أدى علم الفضاء، بدعم من ثورة مركبات الفضاء الآلية غير المتوقعة، ولكن في بعض الأحيان أيضا من خلال الاستكشاف البشري المباشر، وبالاقتران مع المراصد والمختبرات الأرضية المتزايدة التطور، إلى الوصول إلى فهم متزايد لتطور كوكبنا، ونظامنا الشمسي ومجرتنا وكوننا بأكمله. ولقد بدأنا أيضا في جمع البيانات حول إمكانيات ومخاطر إرسال البشر إلى أعماق الفضاء، ووضعنا الأساس لاكتشاف الحياة خارج كوكب الأرض، ربما في المستقبل القريب. ولن يحقق إنجاز رحلات الفضاء المفاجئ ما هو أعمق من ذلك. لكن تكنولوجيا الفضاء قد خدمت أيضا غرضا آخر؛ تغيير الحياة على كوكب الأرض من خلال شبكات الأقمار الصناعية التي أصبحت ضرورية في وجودنا اليومي، بصرف النظر عما لهذا من مردود إيجابي أو سلبي.
الفصل الرابع
البنية التحتية للفضاء العالمي
نجم عن سباق الفضاء في الحرب الباردة أيضا بنى تحتية، سواء عسكرية أو مدنية، سرعان ما أصبحت ضرورية للحياة على الأرض؛ فشبكات الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية تنتج بيانات الطقس والملاحة، وتدعم الاتصالات العالمية والتليفزيون، وتنتج أيضا صورا ومعلومات استخباراتية، وتساعد في القيادة والسيطرة العسكرية، وفي الإنذار المبكر ضد الصواريخ، وغيرها من التطبيقات التي لم تعد الحكومات ولا العديد من الأفراد، لا سيما في العالم المتقدم، يستطيعون تخيل العيش بدونها. لقد كانت أنظمة الأقمار الصناعية هذه ثمرة أخرى لثورة المركبات الفضائية الآلية التي سمحت بالقيام بالكثير في الفضاء عن بعد.
كان أحد الآثار المهمة لهذه البنية التحتية العسكرية والمدنية زيادة الاستقرار الاستراتيجي بين القوتين العظميين المسلحتين نوويا؛ إذ إن معرفة ما يفعله الآخر جعل الحرب أقل احتمالية، بما في ذلك الحرب في الفضاء. علاوة على ذلك، أصبح كل من الجانبين معتمدين على شبكات الأقمار الصناعية للآخر، مما حفزهما على قبول النظام الواقعي المتمثل في إمكانية عسكرة الفضاء، ولكن ليس تسليحه. وبينما هددت اختبارات الأسلحة الفضائية السوفييتية ومبادرة الدفاع الاستراتيجي للرئيس ريجان بزعزعة استقرار هذا النظام في الثمانينيات من القرن العشرين، أثمرت نهاية الحرب الباردة عن حقبة من الهيمنة الأمريكية العالمية التي فضلت التجنب المستمر للأسلحة الفضائية - على الرغم من أن ذلك لا يمكن ضمانه بأي حال من الأحوال في المستقبل.
كان للظهور السريع للبنى التحتية الفضائية تأثير آخر؛ فبحلول الثمانينيات، كانت البشرية قد ربطت على نحو فعال الفضاء القريب من الأرض لخدمة الكوكب. وأصبحت معظم الأقمار الصناعية مركزة في ثلاث مناطق: (1) مدار الأرض الجغرافي الثابت (
نامعلوم صفحہ