وثارت ثائرتها غضبا لكرامتها وكبريائها. ترى من الممكن أن يكون حظها ونصيبها مثل هذه الحياة البائسة؟
أيقدر لها في النهاية - هي التي يستبق إلى رضاها صفوة الرجال - أن تقاسم الجواري قلب فرعون الشاب، وأن تقنع من الدنيا بحجرة في الحريم الفرعوني؟ أتهوي إلى الظلمات بعد النور، وتتلفع بالهوان بعد العزة، وتقنع بالعبودية بعد السيادة الجبارة الكاملة؟ .. أواه! .. ما أبشع التصور وأغرب الخيال! .. ولكن هل تفر كما يريد طاهو؟ .. أترضى بالفرار؟ رادوبيس المعبودة التي لم يحظ بحسنها وجه، ولم يشحن بسحرها جسم، تفر من العبودية؟ .. فمن إذن التي تطمع في السيادة والاستئثار بالقلوب؟!
ودنا منها خطوة، وقال لها بتوسل: رادوبيس .. ماذا تقولين؟
فعاودها الغضب، وقالت بسخرية: ألا يسوءك أيها القائد أن تغريني بالهرب من وجه مولاك؟
وأصابته سخريتها في صميم قلبه، فترنح من هول الصدمة، وقال بسرعة وقد أحس بمرارة في فمه: لم يرك مولاي بعد يا رادوبيس. أما أنا فمسلوب القلب منذ أمد بعيد. أنا أسير لهوى جامح لا يعرف الرحمة، يوردني موارد الهلاك، ويطؤني بقدم الذل والعذاب، إن صدري أتون من عذاب ملتهب، وقد اشتد لهيبه اندلاعا حين أشفق من فقدك إلى الأبد، فأنا إن أغريتك بالهرب أدافع عن حبي، ولا أخون مولاي المعبود قط.
لم تلق بالا إلى شكواه، ولا إلى دفاعه عن إخلاصه لمولاه، كانت ما تزال تثور لكبريائها؛ ولذلك حين سألها الرجل عما تنوي عمله، هزت رأسها بعنف كأنما تريد أن تنفض عنها الوساوس الحقيرة وقالت بصوت بارد مليء بالثقة: لن أفر يا طاهو.
وسهم الرجل في ذهول ويأس، وسألها: هل رضيت بالهوان وأسلمت للذل؟
فقالت وعلى فمها ابتسامة: لن تذوق رادوبيس الذل أبدا.
فاستشاط غضبا، وقال: آه! لقد فهمت. تحرك شيطانك القديم، شيطان الغرور والكبر والقوة، ذلك الشيطان يحتمي ببرودة قلبك الأبدية، ويلتذ بمشاهدة عذاب الآخرين والتحكم في المصائر، لقد لاح له اسم فرعون فتمرد، وأراد أن يجرب قوته وسطوته، ويمتحن سلطان هذا الجمال اللعين، غير عابئ بما يدوس في سبيله الشيطاني من أشلاء القلوب، وذوب النفوس، وأنقاض الآمال .. آه! .. لماذا لا أقضي على هذا الشر بطعنة من هذا الخنجر؟
فنظرت إليه بعين مطمئنة، وقالت: لم أمنعك شيئا، وطالما حذرتك من الإغراء! - إن هذا الخنجر كفيل بتهدئة نفسي .. كم تكون نهاية طبيعية لرادوبيس؟
نامعلوم صفحہ