ويقال أيضا لهم إن كانت الأجساد والأعراض مختلطة، وإنما يفارق بعضها بعضا عندكم فرقة، وهي كلها في قولكم فواحدة، فالإنس والجن بينهما عندكم خلاف، والأعراض والأعيان فقد تجمعهما الأوصاف، ولابد لهذا الخلق من رؤوس أولية، مبتدعة من الله سبحانه بدية، منها برى الله كل برية، ترى من البرايا كلها بعيان، وثبت أن تركيبها شيء أو شيئان، ولا ينبغي لهذه الرؤوس أن يكون بعضها من بعض، بل تكون متضآدة تضآد النار والأرض.
ويقال أيضا إن كانت صور الأشياء لم تزل ولا تزال، والصور فهي الألوان والهيئآت والأشكال، كان قول القائل- إنه لا يمكن أن يكون شيء لا من شي، ولا يفسد من الأشياء كلها شيء فيعود إلى التلاشي، - قولا من قائله مقبولا، وعد ما زعم فيه قولا.
وإن لم تكن صور الأشياء دائمة، ولا في كل حين موجودة قائمة، أعني بالصور صورة اللحم، وصورة الدم، وصورة العظم، وصورة الأشكال الطبيعية، والألوان كلها الظاهرة منها والخفية.
فلا محالة أنها لم تكن قبل حدوثها، وأنها قد تفنى بعد حدثها، وأن حدوثها استحالتها من ليس إلى أيس، وأن فناءها استحالتها من أيس إلى ليس، كبياض الثلج الذي يحدث عند كون الثلج معا، ويبطل بياضه عند بطلانه فيفنيان جميعا، وهل من فعال في سكون أو زوال يجده واجد، أو يشهد به على فاعله شاهد، إلا وهو محدث ثم كان بعد أن لم يكن، بريء من معنى لم يزل، تعلم كل بهيمة مضي ماضيه، وفراقها في المعنى لمنتظر آتيه، فلا يجهل أحد منه ماضيا، ولا يشبه ماض منه آتيا، إلا أن يزعم متجاهل، أو يكابر عاقل، فيقول: إن كون الحركة والسكون في حال واحدة معا، وإن الحركات والسكون لم تزل قط جميعا، فيلزمه أن تكون أوقاتها كلها وقتا، ونطق ما يعقل ناطقا من الأشياء سكتا، فيعود يومه من أوقاتها أمسا، ومجنوسها عنده لنفسه جنسا، وفرعها أصلا، وآخرها أولا.
صفحہ 182