وأما قول الله لا شريك له:{ وترى الملائكة حآفين من حول العرش } [الزمر: 75]. فقد يحتمل حآفين، أن يكون مكبرين مجلين. ويحتمل أن يكونوا بأمره عاملين؛ لأن الاحفاف قد يحتمل ذلك في لسان العرب أبين الاحتمال، لأنهم يقولون إن قوم فلان لمحفون به في الاجلال.
فإن قال قائل: فما وجه قوله، فيما ذكر من إحفافهم به من حوله ؟ فقد يكونون حآفين وإن كانوا من تحته كما يقال: إنهم بفلان لحآفون، وإن كان من علا لي منازله بحيث لا يبصرون، ذلك كقوله سبحانه فيما أرى، لاما توهم في حمل وأحف واستوى: { وانشقت السماء فهي يؤمئذ واهية، والملك على أرجائها } [الحآقة:16]. فإذا انشقت السماء للفناء والبلاء، تحوزت الملائكة لشقها إلى الأرجاء، وهي النواحي، وصارت حينئذحآفة حول العرش الباقي، والعرش فإنما هو السقف الأعلى، والأسفل ففناؤه قبل فناء الأعلى، فليعقل هذا من المعنى، من أراد حقيقة ما عنى، وليعلم أن سقف أعلى ما فيه الملائكة من السماوات، غير مسكون بشيء من البريات.
فإن قال قائل: أفيكون، مكان غير مسكون ؟! قيل: نعم سقف ما تناهى من بناء السماوات العلى، لأنه لا يكون سفل أبدا إلا بأعلى، فأما أن العرش هو السقف فموجود في اللسان، كثير ما يتكلم به بين العرب والعجمان.
وقد يمكن أن يكون معنى: { الذين يحملونه }، إنما يراد به الذين يلونه، إذ ليس بينهم وبينه شي، فتعالى الملك العلي.
وقد تقول العرب في المنزل تنزله، أوفي الأمر تحمله: إنه ليحملنا إذا كان عليهم واسعا، وبمرافقه لهم ممتعا، وليس يريدون حمله لهم بيد ولا عنق، أفما في اختلاف هذا ما وقف عن تشبيه الخالق بالخلق ؟!!
صفحہ 170