بسم الله الرحمان الرحيم
[١ و] كتاب فيه ردّ أبي بكر بن محمد على محمد بن إدريس الشافعي في مناقضة قوله وفيما قال به من التحديد في مسائل قالها خالف فيها الكتاب والسنة.
صلاة المغمى إذا أفاق
[١ ظ] باب ما قال الشافعي في التحديد في مسائل شتى برأيه. أبو عبد الله قال: قال لنا أبو بكر بن محمد: قال محمد بن إدريس الشافعي: إن أفاق المغمى عليه قبل غروب الشمس بقدر ما يدرك تكبيرة واحدة، يجب عليه أن يصلي الظهر والعصر جميعا، وكذلك في صلاة الصبح إذا أفاق المغمى عليه قبل طلوع الشمس، وقد أدرك
1 / 47
تكبيرة واحدة قبل طلوعها، وجب عليه أن يصلي الصبح. والنبي ﷺ، إنما قال: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها"
وقال الشافعي إذا أفاق بقدر تكبيرة لا يعرف وقتها لأن رسول الله ﷺ لم يوقت للتكبيرة وقتا لأن تكبيرة لا يعرف وقتها فقد جعله يصلّي صلاة لم تجب عليه. وقد حدثني يحيى بن عمر قال حدثني يحيى بن عبدالله بن بكير قال حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وبشير بن سعيد، وعبد الرحمان الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ.
1 / 48
ما يحرم بالرضاع
[٢ و] إلى رأسه أنه يحرم لأن الرأس جوف. فيا سبحان الله ما أعجب أقاويلك وأبين اضطرابها، أنت الآن لا تحرّمها عليه وقد تغذى بلبنها وحده أشهرا كثيرة وقد دخل جوفه من لبنها وحده في هذه الشهور نحو من قلّة لبن، وتحرمها الآن أن يسقط من لبنها في أنفه فتصل تلك القطرة إلى لمثلها يسقط صبي في المهد إلى رأس الصبي وتجعلها بقطرة وصلت إلى رأسه أمًّا له محرّمة عليه ثم تقول لأن الرأس جوف، تريد بذلك أن ما وصل إلى رأس الصبي أنه ينزل من رأسه إلى جوفه. هذا معناكفي كلامك لأن الرأس جوف. وليس هكذا تكلمه العلماء في العلم، إنما هذا شبيه المغاياة والمغاياة أن تسمي الشيء بغير اسمه، ويضمر المتكلم بذلك معناه يريده، فكذلك قولك لأن الرأس جوف فكلام الناس إن الرأس رأس والجوف جوف، وإن غذاء العباد وطعامهم الذي منه غذاء أبدانهم في أجوافهم إليها يصير، وفيها يستقر، لا في رؤوسهم، فغير هذا الكلام أشبه به.
صلاة الوتر
قال أبو بكر: ويقال للشافعي أيكما أتبع لحمله حديث رسول الله، ﷺ، أنت أو مالك بن أنس ﵁، حيث أمرت أنت أن يوتر الرجل بواحدة لم تتقدمها له نافلة، أخذا منك
1 / 49
بحديثك عن سعد وحديثك عن مرسل لأثبت أنت مثله، أو مالك، ﵁، الي قال: لا يوتر بواحدة لم تتقدمها له نافلة، لأن رسول الله، صلى الله عليه [٢ ظ] [وسلم] لم يوتر بواحدة لم تتقدمها له نافلة، وإنما قال رسول الله، ﷺ، "يوتر له ما قد صلى" فاتبع حمله حديثه عنه وقلت أنت: يوتر بواحدة لا صلاة له قبلها، ورسول الله، ﷺ، قال يوتر له ما فد صلّى، فأي شيء يوتر له بالواحدة إذا لم يصلّ قبلها شيئا؟ !
الصلاة في الكعبة
وأيكما أتبع لحمله حديثه عن رسول الله، ﷺ، مالك ﵁، حين قال: يصلّى في الكعبة ما صلى فيها رسول الله، ﷺ، وذلك النافلة لا الفريضة، لقول الله ﵎: ﴿وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطر﴾ فأمرنا باستقبال البيت، وما أمرنا به ﷿ لا يخالف بعضه، فيكوون من خالف بعض أمره قد ركب بعض نهيه لأن أمره باستقبال الكعبة، نهي منه عن استدبارها فلا يركب أحد بغض ما نهى عنه، ومن صلّى الفريضة في داخل الكعبة فقد ولّى ظهره بعضها فواقع ما نهى عنه ﷿. ولا يواقع من أحد ذلك إلا ما روي عن رسول الله، ﷺ، أنه أخرجه من نص الآية وذلك النافلة، ولا يخرج عن نصها شيء غيره.
1 / 50
وقلت أنت إن مالكا، ﵁، قال بغاية الجهل، والجهل بك أقرب، حين اتبع ما روى عن رسول الله، ﷺ، لم يزد عليه ولم يقصر عنه، وقلت أنت يصلّى فيها ما صلاه رسول الله، ﷺ [٣ و] فتخرج الصلاة التي صلاها في الكعبة، رسول الله، ﷺ، عن نص الآية كما أخرجها رسول الله، ﷺ. ثم قلت أنت برأيك: ويخرج عن نص الآية ما لم يخرجه رسول الله، ﷺ، وهي الصلاة المفترضة، فتصلّى في الكعبة، وإن كان رسول الله، ﷺ، لم يصلّها فيها.
ما يحلّ للمحرم قتله وما لا يحلّ
وأيكما أتبع لحديثه عن رسول الله، ﷺ، مالك، ﵁، حين قال: لا تقتل الحمر من الدواب إلا ما أمر رسول الله، ﷺ، بقتله، وذلك الخمس التي أمر رسول الله، ﷺ، بقتلها، أم أنت حين قلت مثل الحمر التي أمر رسول الله، ﷺ، بقتلها؟ وقلت أنت برأيك، ويقتل ما هو أضر منها، مما لا يأمر رسول الله، ﷺ، بقتلها أولى بالقتل من التي أمر رسول الله، ﷺ. وزعمت أنه لا حرج على من قتل التي أمرت بقتلها برأيك. ورسول الله، ﷺ، قد جعل عليه الحرج في قتلها لقوله: "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح" فإنما أسقط
1 / 51
ﷺ، الجناح عمن قتل الخمس خاصة، وألزم الجناح من قتل غير من أمر رسول الله، ﷺ، بقتلهن.
السلب للقاتل
وأيكما أتبع لما روي عن رسول الله، صلى الله عليه [٣ ظ] وسلم، مالك ﵁، حين أمر بالسلب للقاتل، باجتهاد الامام، واتبع قي ذلك لحمله حديثه عن رسول الله، ﷺ، أم أنت حين فصّلت السلب، فجعلته ضربين برأيك، فقلت: من قتل مشركا مولّيا فلا شيء له في سلبه، ومن قتل مقبلا، فله سلبه؟ فمنعته مرة وأعطيته أخرى، وجعلته أنت برأيك مفصلا منوّعا، ورسول الله، ﷺ، أمر به مجملا، لا مفصلا ولا منوّعا. وأنت تزعم أنك تتبع حمله حديث رسول الله، ﷺ، وأنت قد قلت في كتاب: اختلاف الأحاديث من كتبك في باب الخلاف في قتل المؤمن بالكافر، وذكرت أ، مخالفك قال: يقتل مؤمن بكافر معاهد، للحديث وهو لا يقتل بقتله المعاهد المستأمن، فكان من حجتك عليه أن قلت أنت له، كيف استجزت أن فرّقت بين المعاهدين والمستأمنين بالحديث، فاستجزت أن ادعيت ما ليس فيه، ثم سرت أنت إلى مثل ما أنكرت، فادعيت في الحديث ما ليس فيه،
1 / 52
وزعمت أن رسول الله، ﷺ، حكم فيه للقاتل، وأنكرت قول مالك إن ذلك على اجتهاد الأول. وفي الحديث دلائل كثيرة أن ذلك على اجتهاد الامام كما قاله مالك ﵁.
ولوغ الكلب في الطعام
وأيكما أتبع لحديث رسول الله، ﷺ [٤ و] مالك ﵁، حين قال في الكلب يلغ في الطعام إن الاناء يغسل سبع مرات، كما قال رسول الله، ﷺ، ولم يسمه نجسا، ولا سمى الطعام نجسا، إذ لم يرو عن رسول الله، ﷺ، أن سماه نجسا، وأمر بأكل الطعام أخذا بكتاب الله ﷿ لقوله: ﴿فكلوا مما أمسكن عليكم﴾ وهي لا تمسك الا بأفواهها فأمر بأكل ما ولغت فيه الكلاب، لكتاب الله ﷿، إذ لم يرو عن رسول الله، ﷺ، أنه قال: إن ما ولغت فيه من الطعام نجس وأمر بغسل الاناء سبعا بأمر رسول الله، ﷺ، وذلك إلى أنه وغيره متعبدون بالطاعة لرسول الله، ﷺ، لا بتكلّف حجة في اتباع ما أمر به ﷺ، ولا بإدخال شيء في حديثه ليس هو فيه أم أنت حين أدخلت فيه ما ليس فيه، وأمرت أنت بما لم يأمر به رسول الله، ﷺ، فيما رويت عنه فقلت: فإذا كان الكلب يشرب في الاناء فينجس حتى يجب غسله سبعا، فالماء أولى بالنجاسة من الماء الذي إنما نجس
1 / 53
بمماسة الماء إياه. فسميت الاناء نجسا، والماء نجسا، ولم يرو عن رسول الله، ﷺ، أنه سماهما نجسين، وزعمت أنت أن الماء الذي سميته أنت نجسا برأيك، أولى أن يكون نجسا من الاناء الذي أمر رسول الله، صلى الله عليه [٤ ظ] وسلم، بعسله سبعا. وزعمت أن الاناء يلغ فيه الكلب لا يغسل سبع مرات، ولا مرة واحدة إذا كان ما فيه من الماء أكثر من قلتين، تحقيقا منك. فإن الاناء إنما نجس بالماء فيما دون القلتين، وأن الماء في ذاته نجس، فسلكت به مسلك النجاسات، ورسول الله، ﷺ، فرق بيت الاناء يلغ فيه الكلب، وبين غيره من الذي سماه نجسا، لأنه دعا صبيا فأجلسه فبال على فخده، فأتبعه الماء، ولأنه أمر ببول الاعرابي الذي بال في مسجده ﷺ، أن يصبَّ عليه دلو من ماء، ولم يأمر أن يصَّب الماء عليه سبع مرات، ولا أن يغسل سبع مرات، فأخرج الاناء يلغ فيه الكلب من طريق حكمه في النجاسات، وساويت أنت بين ذلك بأن سميته نجسا كله، وقلت برأيك: إن الاناء يغسل إذا ولغ فيه الخنزير كما يغسل إذا ولغ فيه الكلب، بل ما اقتصرت على ذلك، على أنك قد أدخلت في حديث النبي ﷺ ما ليس فيه، حتى قلت إن الخنزير إن لم يكن شرا من الكلب فليس أحسن حالا من الكلب، ورويت أن رسول الله، ﷺ، أمر أن يغسل الاناء سبعا، في احدى الغسلات السبع تراب. ثم قلت برأيك، فإن لم يجد ترابا فبأتبان أو نخالة، فجعلت الأتبان والنخالة بدلا من التراب، وقلت في كتاب [٥ و] الطهارات من كتبك في باب التراب الذي يتيم به: وإذا كان التراب مختلطا بنورة أو بتبن رقيق أو
1 / 54
بدقيق أو بحنطة أو غيره، لم يتيمم به، حتى يكون ترابا محضا، لأن الله ﵎ قال: "فتيمموا صعيدا طيّبا" فجعلت النخالة والتبن بدلا من الصعيد، بل قلت إن ذلك إن اختلط بالصعيد لم يتيمم به. وجعلت النخالة والأتبان بدلا من الصعيد في غسل الاناء به وفرّقت بينهما، وكل ذلك لا لشيء رويته في حديثك عن رسول الله، ﷺ.
العمرى
وأيكما أشد إعظاما لحديث رسول الله، ﷺ، وألا يدخل فيه ما ليس منه، مالك، ﵁، حين روى عن جابر بن عبد الله أن رسول الله، ﷺ، قال: "أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث" فقال إذا قال
1 / 55
المعمر مثل ما قال رسول الله، ﷺ، ولفظ مثل لفظه، وشرط مثل شرطه، وجب بذلك المعمر ما أوجبه له رسول الله، ﷺ، وإن خالف لفظه لفظ رسول الله، ﷺ، وخالف شرطه شرط رسول الله، ﷺ، وخالف قوله قول رسول الله، ﷺ، فقال: قد أعمرتك [٥ ظ] حياتك، فلم يقل أعمرتك عمرى لك ولعقبك، لم يجب له ما أوجبه رسول الله، ﷺ، فقلت أنتيجب له مثل ما أوجبه ﷺ لمن قد قال: قد أعمرتك عمرى له ولعقبك. ففي قولك هذا إن من قال مثل ما قال رسول الله، ﷺ، ولفظ بلفظه وشرط بمثل شرطه، فقال: قد أعمرتك عمرى لك ولعقبك، أو خالف ما قال رسول الله، ﷺ، فقال: قد أعمرتك حياتك، إنهما سواء وإنما احتججت في ذلك بجديثك عن مالك ﵁، فزعمت أن مالكا خالفه، وأنك أنت اتبعته. وزعمت أن قولك هذا حجتك فيه، السنة الثابتة عن رسول الله، ﷺ، ثم احتججت بحديثك عن مالك عن جابر عن رسول الله ﷺ، وزعمت أن حجتك في إبطال شرط العمرى إبطال رسول الله ﷺ، إبطال شرط المعتق إذا أعتق، وشرط الولاء لغيره، ومشترط الولاء فيما غيره أعتقه رسول الله، ﷺ، أبطله تصريحا. فهل وجدت في شرط المعمر ان رسول الله، ﷺ، أبطله تصريحا؟ أنت تريد أن تبطل الشروط كلها ما وافق منها كتاب الله عز اسمه، وسنة نبيه ﵇، بإبطال رسول الله،
1 / 56
ﷺ، الشرط في الولاء، وتجيز الشرّوط في عمر العمرى. [٦ و] وقد بينا مخالفتك لما رويت عن رسول الله، ﷺ، في العمرى، في باب العمرى من كتاب ردك على مالك، ﵁.
في زكاة التمر والحنطة
وأيكما أتبع لما روي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله، ﷺ، وأشد إعظاما لحديثه مالك حين روى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله، ﷺ، قال: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة" فقال مالك، رضى الله عنه، اتباعا لأمر رسول الله، ﷺ، إن التمر يجمع في الصدقة بجميع أسمائه وأجناسه، فتؤخذ منه إذا بلغ خمسة أوسق، الصدقة، ولا تؤخذ مما هو أقل من خمسة أوسق. وروى حديثا آخر عن أبي سعيد الخدري أيضا أن رسول الله، ﷺ، قال: (ليس فيما دون خمية أوسق صدقة) ولم يقل من بّر ولا من شعير ولا من سلت ولا من هذا وهذا، فأعظم بمالك أن يقول: إن رسول الله، ﷺ، جمع الحنطة والشعير أو الحنطة
1 / 57
والشعير والسلت في الزكاة أو أفرد كل واحد منها في الزكاة، ولم ينسب إلى رسول الله، ﷺ، ما ليس في حديثه، واتبع ما روى فيه عن أصحاب رسول الله، ﷺ، ولم يجد فيه شيئا بها منصوصاعن رسول الله، ﷺ، فمالك، رضى الله عنه، أشد إعظاما لرسول الله [٦ ظ] ﷺ، ولحديثه ويتحرج أن يتناول منه ما ليس فيه، أو يدعيه، أم أنت حين زعمت أن الحنطة والعلس يجمعان في الزكاة، وسميت الحنطة باسمين، وجعلتها صنفين، وأمرت فيها بأمرين، ورسول الله، ﷺ، سماها باسم واحد، وجعلها صنفا واحدا، وأمر فيها بأمر واحد، فخالفت أنت ذلك كلّه، وقلت في كتاب الزكاة من كتبك في باب تفريع زكاة الحنطة "الحنطة صنفان: صنف حنطة تداس حتى يبقى حبّها مكشوفا، لا حائل دونه من كمام، فإذا بلغت خمسة أوسق ففيها الزكاة وصنف حنطة علس إذا أراد أهلها استعمالها، ففيها، إذا خرجت من كمامها الثاني، وهي الأشقى بها عند ذلك، الزكاة إذا بلغت خمسة أوسق وما لم تخرج من كمامها الثاني فلا زكاة فيها حتى تبلغ عشرة أوسق. وقلت لصاحبها الخيار فإن أحب أخرجها من كمامها الثاني فأخرج من خمسة أوسق ما وجب فيها، وإن أحب لم يخرجها من كمامها الثاني وأخرج من عشرة أوسق ما وجب فيها الزكاة. فأين وجدت
1 / 58
أنت هذا في سنة رسول الله، ﷺ، للحنطة هذين الاسمين؟ وأين وجدتها في سنة رسول الله، ﷺ، صنفين؟ وأين وجدت في سنة رسول الله، ﷺ، أنه أمر فيها [٧ و] بأمرين: فمرة من خمسة أوسق، ومرة من عشرة أوسق، وكل هذا مما لم نجده في سنة رسول الله، ﷺ، ولا منصوصا عنه. وكان أحق عليك أن تخالف ما رويت فيوافق وجها واحدا نهى رسول الله، ﷺ، عنه، من أن يوافق وجهين نهى عنهما رسول الله، ﷺ، أحدهما أن يقول لم يرو عنه، والآخر أن يزعم أن ذلك في سنته.
المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا
وأيكما أتبع لما روى عن رسول الله، ﷺ، وأشد إعظاما لحديثه، وأن يدخل فيه ما ليس منه، مالك، ﵁، حين روى عن ابن عمر، أن رسول الله، ﷺ، قال: "البيّعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه مالم يتفرقا" وروي عن ابن عمر أن رسول الله، ﷺ، قال: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" وروي عن ابن عمر
1 / 59
أن رسول الله، ﷺ، نهى عن بيع حبل حابلة، وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية. كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تتبع الناقة ثم يبيع الذي في بطنها. فذهب مالك إلى حديثه عن ابن عمر أن رسول الله، ﷺ، قال: "المتبايعان بالخيار، وكل واحد منهما بالخيار على [٧ ظ] صاحبه مالم يتفرقا". إن هذا حديث غير منصوص، إذ لا حدّ فيه لوقت التفرّق وإذ لا يدريان متى يتفرقان وإن التفرق قد يقع على التفرق بالكلام دون الأبدان في كتاب الله ﷿، وفي لسان العرب، ويقع على التفرق بالأبدان. وإن حديث ابن عمر عن رسول الله، ﷺ، في نهييه عن بيع الطعام حتى يستوفى، منصوص، لأن رسول الله، ﷺ، أباح لمشتريه بيعه، حين يستوفيه وملكه إياه حين أباح له بيعه وإن رسول الله، ﷺ، نهى عن بيع حبل حابلة في حديثه عن ابن عمر، إذ هو مجهول، وقد يباح بيع حبل الحابلة، وإن وقت التفرق بالابدان مجهول، فأخذ بما يوافق ما روى عن ابن عمر عن رسول الله، ﷺ، منصوصا في حديثه، وترك له المجمل غير المنصوص. وزعمت أنه التفرق بالأبدان، واحتججت أنت بحديث مالك على مالك، وليس في حديثه عن عبد الله بن عمر أنه التفرق بالأبدان، كما زعمت، وإذا قلت إن التفرق هو التفرق بالأبدان فيه، زعمت أن مبتاع الطعام إذا استوفاه، لا حق له فيه، ولا له أن يبيعه حتى
1 / 60
يتفرقا بالأبدان. ورسول الله، ﷺ، ملّكه إياه وأباح له بيعه حين يستوفيه، وأنت منعته بيعه وإن استوفاه [٨ و] ورسول الله، ﷺ، ملّكه إياه حين أذن له في بيعه، وأنت لم تملّكه إياه بل ملّكه البائع، ورسول الله، ﷺ، ملّكه المشتري. فقلت، إن لبائعه أن يبيعه ممن أحب بعد أن يستوفيه مشتريه منه ويكتاله لنفسه مالم يتفرقا بالأبدان، واحتججت بالسنة بزعمك. وليس في السنة ما قلت من أن تفرق المتبايعين في ذلك هو تفرقهما بالأبدان، وإنما زعمت أن ابن عمر كان إذا ابتاع الشيء فأعجبه فارق صاحبه فمشى قليلا. فاحتججت بفعل ابن عمر على مالك وزعمت أنه خالف ما روى عن ابن عمر عن رسول الله، ﷺ، وليس فعل ابن عمر الذي ذكرته في حديثه عن ابن عمر وزعمت أنه خالف وزعمت أن فعل ابن عمر سنة، وابن عمر لم يرو ذلك عن رسول الله، ﷺ، وليس هو من حديث مالك، ﵁، وإنما هو من حديثك عن سفيان فزعمت أن مالكا خالف سنة رواها مالك عن رسول الله، ﷺ، وأنت إنما رويت ذلك عن سفيان عن ابن عمر فعلا من ابن عمر، لا رواية منصوصة عن رسول الله، ﷺ، ونحن لا نشك ان ابن عمر لم يخالف [٨ ظ] ما روى عن رسول الله، ﷺ جهده واسطا ولكن فعل ابن عمر لم يروه مالك، ﵁، فتحتج به عليه أنه رواه وتركه، ولا أتى عن ابن عمر في فراقه البائع ولا مشيه قليلا، كم ذلك المشي القليل، ولا هل كان لا يعد الفراق فراقا
1 / 61
حتى لا يرى بعضهما بعضا، أو كان يراه فراقا إذا فارقا الموضع الذي فيه تبايعا، أو كان إنما يراه فراقا للموضع وتباعد بعضهما عن بعض، ولا لذلك البعد عنه عندنا حد محدود. وقد احتججت أنت بحديثك عن أبي برزة عن رسول الله، ﷺ، وصار احتجاجك به حجة عليك لأنك رويت أن أبا برزة حكم للذين اختصما إليه بعد أن تبايعا ومضى يومهما وليلة يومهما الثاني ويومهما الثالث إلى الوقت، اجتمعا عنده فإنهما لم يتفرقا، وهما قد فارقا الموضع الذي فيه تبايعا قبل ذلك بيوم وليلة اليوم الثاني، فعارضت بحديثك عن أبي برزة حديثك عن ابن عمر وكذلك احتججت بحديثك عن حكيم بن حزام عن رسول الله، ﷺ، وهو حجة عليك ومعارض لحديثك عن ابن عمر. وقد روى عمر بن الخطاب عن رسول الله، ﷺ، أنه قال: "الذهب بالورق ربا إلا ها وها" ولم يقل حتى يتفرقا. وروى أبو هريرة عن رسول الله، ﷺ، أنه نهى عن بيع الحصاة [٧ و]. وبيع
1 / 62
الحصاة كان أهل الجاهلية يتبايعونه يأخذ أحدهم حصاة في يده ثم يقول إذا وقعت منه الحصاة فقد وجب البيع بيني وبينك فتهى ﷺ، عت هذا البيع، لأن وقوع الحصاة مجهولة وقوعها من يده. فكذلك الافتراق بينهما مجهول ذلك.
التطيب قبل الاحرام بالحج
وأيكما أشد إعظاما لحديث رسول الله، ﷺ، وتورعا عن أن يحتج بما ليس فيه، أو يدعيه، أو يخالف ما وجد منصوصا فيه مالك، ﵁، حين روى عن عائشة أنها قالت: كنت أطيب رسول الله، ﷺ، لاحراه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت؟ ولم تقل عائشة، ﵂، كنت أطيب رسول الله، ﷺ، لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت بطيب تبقى رائحته أو بطيب لا تبقى رائحته، فننتهي إلى قولها فلما لم نجد في حديثه عن عائشة أكان الطيب الذي طيب به رسول الله، ﷺ، مما تبقى رائحته بعد إحرامه أو مما لا تبقى رائحته بعد إحرامه بما تبقى ريحه بعد إحرامه. وتدّعي أن ذلك
1 / 63
في حديثه، في سنة رسول الله، ﷺ، وهو ليس فيها. أو تمنع من الطيب الذي تبقى ريحه بعد الاحرام، وتدعي أن ذلك في حديثه، في سنة رسول الله، ﷺ. [٩ ظ] وتوقف مالك عن الطيب الذي اختلف فيه، وهو الطيب الذي يبقى ريحه بعد الاحرام، فلم يأمر به ولم ينه عن الطيب الذي لا اختلاف فيه أنه جائز قبل الاحرام، وهو الطيب الذي لا يبقى ريحه بعد الاحرام، فأجازه ولم نجد في حديثه لريح طيب رسول الله، ﷺ، نصا منصوصا فننتهي إليه، ووجد لريح الطيب بما في حديثه عن عمر منصوصا، فأخذ به فيما لم يجد عن رسول الله، ﷺ، نصا منصوصا. وأما أنت فقلت إنك تستحب الطيب قبل الاحرام بما يبقى ريحه بعد الاحرام، وزعمت أن حجتك في ذلك ثبوت السنة فيه عن رسول الله، ﷺ، فادعيت في السنة ما ليس فيها، وسميت تأويلك الذي تأولته، وقولك الذي قلته برأيك، سنة ثابتة عن رسول الله، ﷺ، ومتى وجدت في سنة رسول الله، ﷺ، أنه تطيب قبل الاحرام بطيب يبقى ريحه بعد الاحرام، تصريحا كما ادعيته أنت في سنة رسول الله، ﷺ، تصريحا، وأنت لا تنكر أن الطيب إنما يتفاوت في طيبه بتفاوت ريحه، فمنه ما لا يكاد يؤخذ ريحه لضعفه وضعف عنصره، ومنه ما يبقى ريحه يوما، ومنه ما يبقى ريحه أياما، فإن احتججت بأن تقول إن قول عائشة: "كنت أطيب رسول الله، ﷺ، لاحرامه [١٠ و] قبل أن يحرم" يدل على أنها إنما طيّبته في حين يجوز له فيه الطيب، ليبقى له ريحه في الحين الذي لا يجد سبيلا إلى أن يبتدئ فيه طيبا، قيل لك فإن كان إنما كان تطيب رسول الله، ﷺ، قبل الاحرام، ليبقى له ريح الطيب بعد الاحرام، من أجل أن الاحرام يمنعه ابتداء الطيب، فقد قالت [عائشة] ولحله، قبل أن يطوف بالبيت، فلأي شيء قالت ولحلّه، قبل أن يطوف بالبيت؟
1 / 64
والطيب مباح له بعد أن يطوف بالبيت. وقد قال مالك رضى الله عنه،: إن تطّيب قبل أن يطوف، وبعد أن رمى جمرة العقبة فلا شئ عليه، حذرا من خلاف ما روي عن رسول الله، ﷺ.
قال أبو بكر وروي عنه ﷺ، أنه تطّيب لاحرامه قبل أن يحرم، ثم طاف على نسائه، ثم اغتسل، فكان غسله ذاهبا لما تقدك من طيبه ﷺ.
الجمع في الصلاة
وأيكما أشد إعظاما لحديث رسول الله، ﷺ، وأورع عن أن يدعي ما ليس فيه، بأن يحتج به في شيء ليس هو منصوص فيه، ثم ينسب حجته تلك إلى حديثه عن رسول الله، ﷺ، وهى ليست في حديثه عنه، مالك، ﵁، حين روى عن ابن عباس أنه قال: صلى رسول الله، ﷺ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعا في غير خوف ولا سفر، فإذا الحديث [١٠ ظ] كما سمعه، وورع أن يروي عن رسول الله، ﷺ، رواية مفسرة، منصوصة ينسبها إلى رسول الله، ﷺ، كيف جمع بينهما، هل أخّر الظهر إلى العصر، أو قدّم العصر إلى الظهر، أو أخر المغرب إلى أول وقت العشاء، أو قدم العشاء إلى وقت المغرب؟ وتوقف عن أن يأمر بالجمع بينهما، ويحتج في ذلك بحديثه عن رسول الله، ﷺ، فيأمر بتأخير ظهر
1 / 65
إلى عصر أو بتقديم عصر إلى ظهر، وفي المغرب والعشاء كذلك. ثم يدعي أن حجته في ذلك عن رسول الله، ﷺ، أن يدعي ما ليس في حديثه عن رسول الله، ﷺ، وروى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يجمع مع الأمراء بين المغرب والعشاء إذا جمعوا، فذهب مالك، ﵁، إلى فعل ابن عمر، أنه كان إذا جمع الأمراء جمع معهم. وغير ابن عمر مع ابن عمر يجمع معهم بالمدينة، وهى دار رسول الله، ﷺ، وموضع هجرته وهجرة أصحابه، رضى الله عنهم، يقوم مقام الاجماع بالمدينة، فاتبع ما رواه عنهم إذ وجده منصوصا في الحديث عنهم في المغرب والعشاء، وأدرك العمل عليه قائما كما أدرك العمل في الجمع بين الظهر والعصر [١١ و] وبين المغرب والعشاء قائما، معمولا به في السفر، وأخذ بما أدرك عليه العمل في ذلك بالمدينة، في السفر، وعلم ما عملوه في الجمع بين المغرب والعشاء والظهر والعصر كيف جمع رسول الله، ﷺ، بينهما في السفر، لاتصال العمل به بعد رسول الله، ﷺ، بالمدينة، فقال بما روى وبما أدركه قائما من عملهم. أو أنت حين احتججت بالحديث وزعمت أن مالكا خالفه، وحجتك ليست في الحديث، وإنما ادعيت ما ليس منصوصا فيه عن رسول الله، ﷺ، كيف كان جمعه ﷺ، في غير خوف ولا سفر، وإنما تكلمت في ذلك برأيك، وزعمت أنه في حديثك عن رسول الله، ﷺ، ويزيد ذلك شرح النبي، ﵇، وقت الأوقات، جمع بين الظهر والعصر في السفر معلومًا
1 / 66