يقال لهم: فهل ظهر من أحد من الأنبياء أو الأئمة أو الدعاة إلى الله مثل علي والحسن والحسين، أو علي بن الحسين، أو محمد بن علي، أو غيرهم ممن دعا إلى الله، الذين لم نختلف فيهم إذ كانوا أئمة ؟ وجعل الله فيهم ذلك، أو هل طلبوا ما ليس لهم من أموال الناس غيرهم ؟ أو هل أظهروا المعصية بالتقية ؟ استبقاء على أنفسهم ومخافة على دمائهم ؟ أو ليس صبروا على أمر الله ؟ وقاموا بحق الله، حتى قتل بعضهم، ونشر بعضهم، وأحرق بعضهم، وأغلي بعضهم في القدور، ودفن بعضهم أحياء، وغرق بعضهم في البحار، وسمر بعضهم بالمسامير، وعذبوا بألوان العذاب ؟! فما كان يمنعهم أن يظهروا التقية فينجوا من أعداء الله، إذا كانت التقية من المخلوقين دينا على ما وصفتم ؟! وقد قال تبارك وتعالى :{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} [هود: 113]. وهل الركون إليه إلا الاتباع له على ما يريد، وتصديقه من وجهة ما يقول، وسكناه معه في داره على غير منابذة، وهو على غير الدعاء إلى الله وطلب الجهاد، وقد قال الله تبارك وتعالى يصبر المؤمنين على ما يصيبهم فيه سبحانه :{وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} [آل عمران: 146]. وقال :{يحكم بها النبيئون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} [المائدة: 44]. ثم قال :{وإياي فاتقون، ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} [البقرة:41 - 42]. وقال تبارك وتعالى :{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم} [البقرة: 159 - 160]. فكيف يجوز لأحد من الأئمة يكتم الحق، ويظهر من نفسه خلاف ما يعلم ؟ أو ليس من رأى فعله من المستضعفين اقتدى به، لما يعاينون من ظاهر فعله، فهم مصيبون إذ غاب عن المستضعفين الناصر ؛ إذا اقتدى بالإمام.
فإن قلتم: نعم. فقد وجب لمن خالفكم الإيمان. وإن قلتم: إن الذي رأيتم من الإمام هو التقية، والذي أخبركم خلاف الحق، والحق ما تقولون، وإنما كتمتم الحق تقية منكم، أفليس تدعونا إلى أن نصدقكم على ما قلتم ونكذبه فيما قال لنا ؟ فأنتم إذن أولى بالصدق منه، وأنتم أئمة إذ تأمروننا أن نقتدي بما تقولون، ونترك ما قال .
فإن زعمتم أنه على الحق، وقد رأى الناس خلاف ما تقولون، ورووا منه خلاف ما تنسبون، وسمعوا منه خلاف ما تدعون، فاقتدوا به إذ زعمتم بأنه إمام افترضت طاعته ! أو ليس يجب على الناس أن يطيعوه فيما يأمرهم، ويمتنعوا عما ينهاهم، ثم تكلفون الناس أن يتبعوا قولكم، ويتركوا قوله، فأنتم إذا الذين افترض الله طاعتكم، وأنتم الصادقون ليس هو !
ثم زعمتم أنه إمام مفترض الطاعة، أفليس على مذهب قولكم هو إمام هدى وإمام ضلالة، إذ هداكم وأضل غيركم آخرين، حين أفتاكم بالحق، وأفتى غيركم بالباطل، وعلمكم حكم الله، وعلم غيركم خلاف حكم الله ؟
وكيف وقد قال تبارك وتعالى :{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]. أفترى جميع الحكمين سواء، حكم ما أخبرك، وحكم ما أخبر غيرك ؟ هما جميعا من حكم الله، وهما حكمان متضآدان، إلا أن تقولوا: إنه حجة على بعض دون بعض، لناس مخصوصين ، وليس حجة على الآخرين.
صفحہ 411