والمحذوفات في كتاب الله تعالى لعلم المخاطبين بها كثيرة جدًَّا، وهي إذا أظهرت تمَّ بها الكلام، وحذفها أوجز وابلغ.
والثاني محذوف لا حاجة بالقول إليه، بل هو تامٌّ دونه، وإن ظهر كان عيبًا كقولك: (أزيدًا ضربته) قالوا إنه مفعول بفعل مضمر تقديره أضربت زيدًا. وهذه دعوى لا دليل عليها إلا ما زعموا من أن (ضربت) من الأفعال المتعدية إلى مفعول واحد، وقد تعدى إلى الضمير، ولا بد لزيد من ناصب إن لم يكن ظاهرًا
فمقدر، ولا ظاهر، فلم يبقى إلا الإضمار. وهذا بناء على أن كل منصوب فلا بد له من ناصب! ويا ليت شعري ما الذي يضمرونه في قولهم: (أزيدًا مررت بغلامه) وقد يقول القائل منا ولا يتحصَّل له ما يضمر! والقول تام مفهوم، ولا يدعو إلى هذا التكلف إلا وضع: كل منصوب فلا بد له من ناصب. فهذا القسم الثاني.
وأما القسم الثالث فهو مضمر، إذا أُظهر تغير الكلام عما كان عليه قبل إظهاره، كقولنا: (يا عبد الله)، وحكم سائر المناديات المضافة والنكرات حكم عبد الله، وعبد الله عندهم منصوب بفعل مضمر تقديره أدعو أو أنادي. وهذا إذا أُظهر تغير المعنى وصار النداء خبرًا. وكذلك النصب بالفاء والواو: ينصبون الأفعال الواقعة بعد هذه الحروف بأنْ، ويقدرون أنْ مع الفعل بالمصدر، ويصرفون الأفعال الواقعة قبل هذه الحروف إلى مصادرها، ويعطفون المصادر على المصادر بهذه الحروف. وإذا فعلوا ذلك كله لم يُرَدْ معنى اللفظ الأول! ألا ترى انك إذا
1 / 72