فعطف قلوب دهماء العرب على النصارى الملك الذي كان فيهم، والقرابة التي كانت لهم. ثم رأت عوامنا أن فيها ملكا قائما، وأن فيهم عربا كثيرة، وأن بنات الروم ولدن لملوك الإسلام، وأن في النصارى متكلمين وأطباء ومنجمين، فصاروا بذلك عندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء، ولم يروا ذلك في اليهود.
وإنما اختلفت أحوال اليهود والنصارى في ذلك لأن اليهود ترى أن النظر في الفلسفة كفر، والكلام في الدين بدعة، وأنه مجلبة لكل شبهة، وأنه لا علم إلا ما كان في التوراة وكتب الأنبياء، وأن الإيمان بالطب، وتصديق المنجمين من أسباب الزندقة والخروج إلى الدهرية، والخلاف على الأسلاف وأهل القدوة، حتى إنهم ليبهرجون المشهور بذلك، ويحرمون كلام من سلك سبيل أولئك.
ولو علمت العوام أن النصارى والروم ليست لهم حكمة ولا بيان، ولا بعد روية، إلا حكمة الكف، من الخرط والنجر والتصوير، وحياكة البزيون لأخرجتهم من حدود الأدباء، ولمحتهم من ديوان الفلاسفة والحكماء؛ لأن كتاب المنطق والكون والفساد، وكتاب العلوي، وغير ذلك، لأرسطاطاليس، وليس برومي ولا نصراني.
وكتاب المجسطي لبطليموس، وليس برومي ولا نصراني.
وكتاب إقليدس لإقليدس، وليس برومي ولا نصراني.
صفحہ 314