أصل الخطأ في القدر [ 106 ظ ] والعلم أن المتكلف له أراد أن يقترن القدر بالعدل ، فتنافرا في نظره ، وقصر عن كيفية اقترانهما فهمه . فقال قوم فأثبتوا العدل ونفوا القدر ، وهم المعتزلة ، فضاهوا المجوس ، وقال قوم فارتفعوا فوقهم وانحرفوا إلى الكلام في العلم ، وهم الجهمية ، فضاهوا ضروبا من الكفر كثيرا . وقوم أقروا بعدل الله وقدره مذعنين لما ذكر في كتابه ، واقفين عند ما لم يستبين لهم علمه ، وهم الجماعة ، فثبتوا على إيمانهم ولم ينقضوا عقدة إقرارهم . ومن تكلم من كلا الفريقين في ذلك غوى وهوى ، ونعوذ بالله من الضلال بعد الهدى . وأما المعتزلة فإنهم كالجهنمية ، اتقوا في أمر ضاهوا به الدهرية ، وذلك أنهم أرادوا أن لا يقروا إلا بما يتمثل في عقولهم وما قصر عنه فهمهم ردوه ، وزعموا أن الله لم ينزله ، وأن الرسول عليه السلام لم يقله ، فحسبوا أن الدين وضع ، وأن القضايا قضيت على مقدار الأفهام الخسيسة وفطر القلوب القاسية التي نشأت في عصر الفتنة ، والتبست برين الظلمة ، وأصغت إلى كدر الشهوات المعشية ، فكذبوا من ذلك بفتنة القبر ، وحياة الأرواح في البرزخ ، وبخلق الجنة والنار ، وبحقيقة العرش والكرسي ، وغير ذلك من أنباء النبوة . فنعوذ بالله من الجرأة على الله والرد لأمر الله تعالى ، ومن جهل المخلوق بقدرته وتخطيه إلى غير حده ، وصلى الله على جميع أنبيائه ورسله .
فصل
83 - رسالة اتفاق العدل بالقدر . قال محمد رحمه الله عليه : أما بعد ، فإني أوصيك بتقوى الله فإن العاقبة للتقوى ، وأوصيك فيما أردت علمه من جهة القدر والعدل وتصاحبهما بأن تقف حيث وقفت منه ، وتؤمن بما عليك أن تؤمن به ، وتنتهي إلى ما انتهى سلفك إليه . فأما قولك : قد نزلت البلية فيه ، والتبس بالقلوب داء مخامر منه لا غنى به عن الدواء ، وصدى ولابد له من الجلاء ، فإني واعظك بمثالك الذي مثلت ، وعاطف
صفحہ 399