عرشه ، برحمته آمين .
فصل
78 - قال محمد رحمه الله : كل مكون معلول ، وكل كائن فله علة ، وما لا علة له فلا كون له ، فالعلة العليا علة العلل وجنس الأجناس وطبيعة كل طبيعة وجنس كل نوع . فالعلة العليا لكل شيء هي مشيئة الله تعالى لكون الأشياء كلها ، فهي شاملة عامة ، ثم انفصل منها لكل شيء علة خاصة لاصقة بالشيء قريبة منه ، والعلة الكبرى فوقها أم لها ، لا مقصر لشيء من العلل دونها ، لأن منها فصلها ، ولا أم لها بعدها لأنها غايتها ، فالعلم معرفة العلل ، والرسوخ فيه بقدر الرسوخ فيها .
79 - وإن الله عز وجل لما خلق الدنيا دار محنة وبلوى ، خلقها أضدادا وأزواجا ، لتقع المحنة وتتم الدلالة ، فتمام الدلالة بذلك لأنه لا يعرف الشيء بحقيقته إلا من قبل ضده ، فبالظلمة يعرف النور ، وبالمكروه يعرف المحبوب ، وبالشر يعرف الخير ، وبالبرد يعرف الحر ، وبالتحت يعرف الفوق ، وبالظاهر يعرف الباطن ، كل واحد منها يعرف بصاحبه ، ويهتدى إليه بزوجه وضده ، ويهتدى بالأضداد كلها إلى وحدانية الخالق لها . وأما وقوع المحنة من جهة الأزواج ، فإن الله عز وجل جعل الدنيا امتزاجا وانفصالا زوجين أيضا ضدين ، ليعرف هذا بهذا . فما فصله الله تعالى بأمره ولم يكن إلى المخلوق لعله قامت حقيقته ، وارتفعت الشبهة عنه ، كانفصال الأرض من السماء ، والماء من الثرى ، والنار من الرطوبة ، والأجسام بعضها من بعض ، وما مرجه وامتحن المخلوق بفصله جعل بين حديه البينين ، وهما معظم الشيئين ، شبهة مشبهة بالشك واليقين ، فالشبهة واقعة بين الحق [ 105 ظ ] والباطل ، كالغبش بين الظلمة والنور ، وكالدكنة بين البياض والسواد ، وكالحامض بين الحلو والمر ، والسنة بين النوم واليقظة ، فكل شيء في الدنيا من المتصل والمنفصل زوجان ، والشبه واقع بين حدي المتصل عند وقت
صفحہ 396