قلت : في العدم لا شيء ، فلا شيء يؤلف شيئا إذن ، وهذا ما يحده العقل ، لأن الشيء لا يؤلف نفسه ، لأنه قبل أن يؤلف نفسه عدم ، والعدم لا شيء ، ولا شيء لا يكون منه شيء من ذاته ، لأنه لا ذات له ، إلا أن يكون منشئ ينشئ شيئا من لا شيء ، وهو الله رب العالمين . قال : فلو سامحني أولا في النهاية الأولى ، كيف كنت تصنع في آخر الأمر قلت له : إذا كان لشيء طرف أول لم يكن له بد من طرف ثان ، وإلا لم يكن بذي نهاية ، والعقل لا يحد ما لا نهاية له ممثلا ، ولا يحد ما ليس له طرف ممثلا . فإن كان له طرف ، فطرفه الفناء ، لأنه منه بدأ وإليه يعود ، كما أن كل شيء له طرفان من ضده لا محالة ؛ هكذا نجد ونرى في الممتثلات كلها . قال : فما أراني أجد إلا أحد أمرين : إما مكانا فوق الممثلات يكون جسما فيلزمني فقد النهاية ، أو أقول : ليس جسما فينكره العقل . قلت له : كذلك تجد في قولك . قال : فما تقول أنت قلت : أقول : فوق الزمان والمكان خالقهما ومؤلفهما وهو خلافهما وغيرهما من كل جهة ، فلا يحيط به العقل من جهة التمثيل ويدركه من جهة الدليل ، ومن قولك آخذه ، لأنك أنت وكل من يفهم من أصحابك وغيرهم لا يحدون في البدء إلا الزمان والمكان معا ، لا يسبق بعضه بعضا ، ولا يكون المكان إلا من [ 104 ظ ] تأليف ، ولا يقوم التأليف إلا من عدم ، فمخرجه من عدم هو الله الذي لا إله إلا هو ، تعالى [ الله ] الأول الخالق . ولا يكون المكان أيضا إلا لمتمسك ، فلو كان مثله كان بلا نهاية ، غير محدود لا محالة ، ولكنه ممسك خلافه من كل جهة ، فلذلك الله رب العالمين . قال : والله ما أجد بعقلي إلا ما تقول ، غير أن قوما قالوا : جوهر بسيط . قلت : يلزمهم في الجوهر البسيط ما لزمك ، لأن الجوهر البسيط شيء قالوه لا يتمثل . فإن قالوا إنه لا يتمثل وهو جسم كذبوا وجاءوا بما لا يعرفه العقل . وإن قالوا : هو غير جسم ، قلت لهم : هو مقيم الأجسام ومدبر الكل ، وليس يشبهه شيء ، تعالى
صفحہ 394