قلت : فما لم يعرفه العقل إذن فهو المنكر ، والمنكر أصل الذي لا برهان عليه قال : نعم . قلت : والمنكر باطل قال : نعم . قلت له : فهل يعرف العقل شيئا لا نهاية له قال : لا يعرف العقل إلا ما له نهاية في جسمه . قلت : فإني أجمع لك كل ما مضى : لا يخلو قولك وقول أصحابك من أن نقول : إن الفلك هو الغاية أو أن فوقه غاية ، فإن قلت : هو الغاية قلت لك : فهو متحرك ، والحركة لا تكون إلا في مكان ، والمكان لا يكون إلا في مكان إلى ما لا نهاية له ؛ فالعقل ينكر هذا ، وإن قلت : هو في متحرك ، فإنه جسم ، والجسم لا يكون إلا في جسم إلى ما لا نهاية له . وإن قلت : فوقه غاية ، قلت لك : ما تلك الغاية التي فوقه أتشبهه أم لا تشبهه فإن قلت : تشبهه . قلت لك : فهي جسم ، فهي إذن في جسم ، فرجعت إلى سيرتك الأولى . وإن قلت : لا تشبهه . قلت لك : فإن العقل لا يجد مثالا إلا ما يشاهده ، ولم يشاهد إلا الأجسام . فإذا أجبت بشيء تزعم أنك تجد مثاله وهو خلاف المثال أنكره العقل ، وما أنكر العقل فهو باطل ( 1 ) . قال : أقول : فوقه شيء يشبهه في الجسم ، وليس يدور عليه زمان ، لأنه فوق الزمان . قلت له : فهو جسم أو غير جسم قال : جسم . قلت له : قد رجعت إلى الجسم ، ولا يكون الجسم إلا في جسم إلى غير نهاية ، وهذا باطل . قال : ليس بجسم ولكنه الدهر . قلت : وما هو قال : لا هو الدهر .
صفحہ 392