لهم ما أبلدهم .
60 - قال : أخشى أن يكون هذا الكندي الشقي كان زنديقا ، فعمل على أن يوقع غيره فيما وقع هو فيه ، ويرى مثله ممن أراد الله تعالى هلاكه أن البراهين تتناقض في إثبات التوحيد ، كيف هي وكيف تثبت ، وأنها لا تصح إلا بهذه الشرائط . ثم أتبع ذلك بأنه لابد للعالم من علة ، وأنه لا علة إلا خالقه ، لينقض بذلك الصفة التي هي التوحيد ، فيرى أن الوحدة غير موجودة وغير قائمة . فإن كانت هذه بصيرته وإياها قصد ، فما أرى في جهنم أسفل درجة منه . وإن لم يكن قصدها ، فالشيخ ( 1 ) دبرها على لسانه ، فهو معه في أسفل السافلين ، إذ مكنه الله تعالى من أن أجرى على لسانه الكفر بهذا اللبس من حيله ، ليصد عن سبيل الله . وربما ظننت أن طويته قول الدهرية لأنه رجع قوله إلى أن كل شيء معلول وعلة فأثبت العالم ونفى غير ذلك . فلعمري إذ خشيت هذا من كيده إنه ليجب أن يوضع شيء يبين به عليه ، ويقابل به ضلاله ، لتمحى ظلمته بنور الهدى إن شاء الله . ألا ترى كلامه كله كلام الحيران معرفته بأزمة الكلام من جهة صناعة المنطق ، فهو يرد على المنانية والدهرية ويخلط القول صحيحا بمريض ، كما كان في قلبه سواء ، والله أعلم .
61 - قال : إن الكندي وإن ناظر هؤلاء المبطلين ، فقوله ظنين غير مأمون لنقضه على نفسه التوحيد جهارا ، إذ أقر أن العلة والمعلول من المضاف ، وأن الوحدانية لا يقال عليها بالمضاف ، ثم زعم أن ربه علة ، فأوجب المضاف ، فكأنه تعمد النقض ، فنقول : إن رده على المنانية ومناقضته إياهم صحيحة ، كما ناقض ، إلا مواضع زل فيها . وأصل مناظرته صحيحة ( 2 ) ، غير أنه كثر فيما يستغنى فيه بالقليل ، إنما هي عقدة واحدة ، فلينظر إليها من أراد الحق ويجعلها لنفسه أصلا يغنيه عمن زال عن قوله : { ليس كمثله شيء } . فكل مناظرة تلحقه ، وكل مناقضة تدخل عليه من شبه إلهه بشيء من المخلوقات من جهة من الجهات ، فجعله جرما أو محدودا أو متناهيا أو أي صفة من صفات المخلوق كانت ، دقت أو جلت ، دخل عليه سائر الصفات
صفحہ 387